جرائم البويهيين
وأما البويهيون؛
فكذلك خرجوا على الخلافة العباسية, واستولوا على العراق عام 334 للهجرة, وخلعوا الخليفة العباسي المستكفي بالله, وجاؤوا بالفضل بن المقتدر, فنصبوه خليفةً, ولقبوه بالمطيع لله.
ومن جرائمهم الدينية؛ أنهم فرضوا التشيع ديناً, واتخذوه ستاراً لنشر الأفكار والمعتقدات المجوسية, وبثوا الفتن بين المسلمين على أساس التفريق بين أهل السنة وبين الشيعة, وانتشر في عهدهم سب الصحابة.
وهم أول من أظهر بدعة إغلاق الأسواق في يوم عاشوراء من المحرم, ونصب القباب, وأظهروا معالم الحزن, وأخرجوا النساء يلطمن وينحن على الحسين, وهن سافرات ناشرات لشعورهن, وتجرأوا على ذات الله تعالى, حيث تسمى آخر ملوكهم بالملك الرحيم, منازعةً لله في اسمه.
جرائم العبيدين
وأما العبيديون – الذين ينسبون أنفسهم زوراً إلى نسل فاطمة بنت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم -:
فحدث ولا حرج عن جرائمهم, فقد خرجوا على الخلافة العباسية, بعد أن مهدوا لهذا الخروج بمرحلة سرية بثوا من خلالها دعوتهم, متسترين ومتمسحين بمسوح آل البيت, في بلاد المغرب, ثم لما تمكنوا من السيطرة على بلاد المغرب, انتقلوا إلى مصر فاستولوا عليها, وخلعوا الخليفة هناك.
وكان من أبرز جرائمهم في الجانب العقدي؛ أن حاكمهم – وقبل دخولهم لمصر – أرسل مبعوثه لأهل مصر يقطع على نفسه العهود بعدم إظهار البدع وإبقاء السنة وإحيائها, ولكنهم بعد دخولهم غدروا بأهل مصر, وفرضوا التشيع وألزموا الناس بإظهاره, واستخدموا منابر المساجد للدعاية إلى مذهبهم, ونشر بدعهم, وصار ينادى في الأذان؛ بحي على خير العمل.
وظهر منهم الحاكم بأمر الله, الذي ادعى الألوهية, وبث دعاته في كل مكان من مملكته, يبشرون بمعتقدات المجوس, كالتناسخ والحلول, ويزعمون أن روح القدس انتقلت من آدم إلى علي ثم انتقلت روح علي إلى الحاكم بأمر الله, وكان من أبرز دعاته محمد بن اسماعيل الدرزي المعروف بـ “أنشتكين”, وحمزة بن علي الزوزني, وهو فارسي من مقاطعة “زوزن”, وجاء إلى القاهرة لهذه المهمة, أي لبث الدعوة إلى ألوهية الحاكم.
ومن جرائمهم الدينية كذلك؛ محاولتهم نبش قبر النبي ونقل جثمانه الطاهر مرتين في زمن الحاكم بأمر الله، الذي ادعى الألوهية.
# المحاولة الأولى: يوم أن أشار عليه بعض الزنادقة بنقل النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مصر، فقام فبنى حائزاً بمصر, وأنفق عليه مالاً جزيلاً, وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف، فهاج عليه الناس وحصل له من الهم والغم ما منعه من قصده، ولله الحمد والمنة.
# الثانية: حينما أرسل من ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم, حيث سكن هذا الرسول بقرب المسجد, وحفر تحت الأرض, ليصل إلى القبر فاكتشف الناس أمره؛ فقتلوه.
ثم لما قيض الله السلاجقة الأتراك؛ يرومون نشر السنة والقضاء على دين الرافضة، شعر العبيديون بعزيمة وقوة هؤلاء الأبطال, وعلموا من أنفسهم العجز عن مواجهتهم, فلجئوا إلى خطتهم القديمة ومكرهم السالف, حيث أرسلوا لأعداء الدين من الصليبيين, وأغروهم بدخول بلاد المسلمين والتوطين لهم, مفضلين استيلاء النصارى على بلاد المسلمين على أن ينتشر مذهب السنة, ويظهر السلاجقة, وكان ممن وطن لهم وكاتبهم وأرسل لهم, أمير الجيوش الفاطمي الأفضل.
وفي ذلك يقول ابن الأثير: (إن أصحاب مصر من العلويين لما رأوا قوة الدولة السلجوقية, وتمكنها واستيلائها على بلاد الشام إلى غزة, ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم ودخول “الإقسيس” إلى مصر وحصرها, فخافوا وأرسلوا إلى الإفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه).
ويقول الدكتور مصطفى العناني, نقلاً عن المؤرخ اللاتيني المعاصر للحملة الصليبية الأولى “كفارو الكاسكي”: (ليكن معلوماً لدى الجميع الآن, وفي المستقبل وفي عهد البابا “أوربان الثاني” الطيب الذكر, أن “الدون جون فريد” بصحبة “الكونت فراند لينيس” وعدد آخر من النبلاء والسادة, الذين رغبوا في زيارة ضريح السيد المسيح – عليه السلام – قد ذهبوا إلى مدينة “جنوة” ومنها ركبوا السفينة الجندية المعروفة باسم “بوميلا” ليبحروا إلى الإسكندرية, ولما وصل الوفد إلى ميناء الإسكندرية, اتجهوا بصحبة الجنود الفواطم إلى ميناء مدينة بيت المقدس – أي يافا – وعندما أرادوا دخول المدينة عبر بوابتها, لزيارة ضريح السيد المسيح رفض حراس المدينة دخولهم إلا أن يدفعوا الرسوم المفروضة عليهم حسب ما هو مقرر كالعادة, ومقدارها بيزنط واحد ليتمكنوا من الدخول).
ويفسر الدكتور العناني هذا الحدث بقوله: (إن هذه الرحلة التي قام بها الأمراء الصليبيون لم تأت من فراغ, وبلا اعتقادات واتصالات مسبقة, بين هؤلاء الأمراء الفاطميين في مصر, فلا يعقل أن يقوم هؤلاء الأمراء الصليبيون بزيارة ميناء الإسكندرية دون أن يستقبلهم مسؤولوا الأمن في الميناء, ودون وجود اتصالات سابقة وترتيب سالف, وهذا يؤيد ما قام به الفاطميون من ارسال جند حراسة اصطحبوا السفينة “بوميلا” إلى ميناء بيت المقدس, وكان الهدف من ذلك حماية هؤلاء الأمراء من خطر السلاجقة إبان رحلة الذهاب والعودة من الإسكندرية إلى بيت المقدس, التي استغرقت أكثر من عامين.
وبعد أن تحركت الجيوش الصليبية قادمةً من أوروبا في أولى الحملات الصليبية على بلاد المسلمين, وأثناء مرورها بمضيق “البسفور” في أراضي الدولة البيزنطية, أخذ منهم الإمبراطور “كوفين” يمين الولاء والطاعة, وكان فيما أمرهم به أن يسعوا للوصول إلى الإتفاق مع الفاطميين في مصر, لأنهم كانوا أشد الناس خصومةً للترك السلاجقة السنيين, ولا يقبلون مطلقاً مصالحتهم, بينما عرف عنهم التسامح مع الرعايا المسيحيين, وكانوا دائماً مستعدين للتفاهم مع الدول المسيحية).
وذلك يدل على مدى التواطئ الذي كان بين الرافضة العبيديين وبين الصليبيين.
وهذا نفسه ما حصل بين رافضة إيران والأمريكان في مساعدتهم على الإطاحة بدولة طالبان, بالتنسيق مع رافضة الشمال في أفغانستان, وكذلك تعاون رافضة إيران مع الأمريكان في احتلال العراق بتنسيق ومعاونة من رافضة العراق.
وليتهم اكتفوا بمواقفهم السلبية تجاه الغزو الصليبي لبلاد المسلمين, ولكنهم لما رأوا أن مدة حصار “أنطاكيا” قد طالت, خافوا من أن يتسلل الملل واليأس إلى نفوس الجنود الصليبيين فيتراجعون وينتصر السلاجقة, مما حدا بـ “الأفضل” إلى ارسال سفراء مخصوصين يحضون القادة الصليبيين على مواصلة الحصار, وأكدوا لهم أنهم سيرسلون لهم – أي الصليبيين – كل ما يحتاجون له من الإمدادات العسكرية والغذائية, فاستقبلهم القادة الصليبيون بحفاوة بالغة, وعقدوا معهم عدة اجتماعات تسلموا خلالها رسالة الأفضل.
وفي ذلك يقول “وليام صوري” الذي نقله الدكتور يوسف الغوانمة: (إن محاصرة الصليبيين لأنطاكيا أثلجت صدر “الأفضل”, واعتبر أن خسارة الأتراك السلاجقة لأي جزء من أملاكهم إنما هو نصر له نفسه, ولما قفلت سفارة “الأفضل” راجعةً صحبتهم سفارة صليبية, تحمل الهدايا للتباحث مع “الأفضل” في الأمور التي تم الإتفاق عليها, وأرسلوا مع السفارة الفاطمية العائدة من ضمن الهدايا؛ حمولة أربعة جياد من رؤوس القتلى السلاجقة هديةً لخليفة مصر).
ولم يكتف “الأفضل” بذلك، بل استغل فرصة انشغال السلاجقة من أهل السنة بقتالهم وجهادهم للصليبيين، فأرسل قواته إلى “صور” وفتحها بالقوة، ثم أرسل قواته من العام التالي إلى بيت المقدس وانتزعه من أصحابه “الأراتقة”، ثم سرعان ما توجه الصليبيون لبيت المقدس كأنها مؤامرة واتفاقية بين الطرفين، يستولي الأفضل على بيت المقدس، ليتم تسليم البلاد بدم بارد إلى يد الصليبيين، وليس أدل على ذلك من أن “الأفضل” لما علم بتوجه الصليبيين إلى بيت المقدس توجه عائداً إلى القاهرة.
وكانت القوات الصليبية التي حاصرت بيت المقدس، في غاية التعب والإنهاك من شدة الحرارة التي لم يعتادوا عليها في بلادهم، حتى أن الماشية والأغنام هلك عدد كبير منها، بل إن عدد الجيش الصليبي الذي كان متوجهًا لحصار بيت المقدس لم يكن كبيرًا، بحيث يستطيع أن يصمد في ظل هذه الظروف، لولًا خيانة الرافضة وتواطئهم مع الصليبين.
إذ بلغ عددهم ألفًا وخمس مائة فارس، وعشرين ألفًا من المشاة.
حتى أن المؤرخة “ابن تغري بردي” قال متعجبًا: (والعجب أن الإفرنج لما خرجوا إلى المسلمين كانوا في غاية الضعف من الجوع وعدم القوت، حتى أنهم أكلوا الميتة، وكانت عساكر الإسلام في غاية القوة والكثرة، فكسروا – أي الصليبيون – المسلمين وفرقوا جموعهم!).
وبعد حصار دام أربعين يومًا؛ تمكن الصليبيون من دخول بيت المقدس واحتلالها في شهر شعبًان، في سنة أربع مائة واثنتين وتسعين للهجرة.
وراحوا يقتلون المسلمين، ويحرقون ما كان ببيت المقدس من مصاحف وكتب، حتى بلغ عدد القتلى ما يزيد على سبعين ألف من المسلمين، منهم الأئمة والعلماء والعباد.
وظلوا على هذه الحالة من التقتيل والتنكيل أسبوعًا كاملًا، لدرجة أنه لما أراد قائدهم الصليبي “ريموند” زيارة ساحة المعبد، أخذ يتلمس طريقه تلمسًا من كثرة الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه.
وكان من جرائم الخلفاء العبيديين؛ أنهم يتخلصون من كل وزير ينادي بفريضة الجهاد، ويرفع لواءه على وجه السرعة، ويظهر ذلك من خلًال الفترة التي حكموا بها.
فهذا الوزير “الأفضل” لما كان متحالفًا مع الصليبيين كان منهم مقربا، ولما بدأ يتحالف مع الدماشقة الأتراك لمواجهة الصليبيين، قاموا باغتياله في عهد الخليفة الآمر.
وهذا الوزير رضوان بن الولخشي؛ كان من أشد الناس تحمسًا للجهاد ضد الصليبيين، حتى أنه أنشأ ديوانًا جديدًا، أطلق عليه اسم “ديوان الجهاد”، وأخذ يطارد الأرمن ويقصيهم من مناصبهم التي تولوها من قبل الرافضة العبيديين، بل إنه ندد بالخليفة الحافظ العبيدي آنذاك على مواقفه المستكينًة تجاه الصليبيين بالشام.
فعمد الخليفة الحافظ إلى تمكين الأرمن والتعاون معهم سرًا، وأخذ يثير طوائف الجيش الفاطمي ضد الوزير “ابن الولخشي”، الأمر الذي أعاق سير حركة الجهاد التي عزم ابن الولخشي على إدارتها، فاضطر إلى الفرار متحيزًا نحو الشمال حيث يوجد أسد من أسود الجهاد،وهوً عماد الدين زنكي، ليستعين به في جهاده ضد الصليبيين.
وهذا الوزير “ابن السلار” السني الشافعي؛ بذل قصارى جهده لمواجهة الصليبيين، وحاول التعاون مع نور الدين والاتصال به ليتمكنوا من مشغالة الإفرنج في جهة، وضربهم في الجهة أخرى، إلا أن الخليفة آنذاك “الظافر”؛ دبر له مؤامرةً، فاغتاله في عام خمس مائة وثمانية وأربعين للهجرة.
وهذا الوزير العادل طلائع بن رزيك؛ الذي ما لبث بعد توليه الوزارة أن رفع راية الجهاد، وجهز الأساطيل والسرايا لمهاجمة الصليبيين، لكنه ما لبث أن قتل قبل أن يحقق حلمه في تحرير بيت المقدس، من قبل مؤامرة دبرها له “شاور السعدي”، الذي كان واليًا على الصعيد في عهد الخلفة العاضد، عام خمس مائة وثمانية وخمسين للهجرة.
ولما خرج أحد قادة الجيش وهو “أبو الأشبًال الضرغام” على “شاور”، وانتزع منه الوزارة وقتل ولده الأكبر “طي بن شاور”، اضطر “شاور” إلى أن يرسل إلى الملك العادل نور الدين محمود زنكي يستجير به، ويطلب منه النجدة على أن يعطيه ثلث خراج مصر، وأن يكون نائبه بها، حيث قال: (أكون نائبك بها وأقنع بما تعين لي من الضياع والباقي لك).
ومع أن نور الدين كان مترددًا في إرسال حملة عسكرية مع “شاور” إلا أنه استخار فأرسل له أكبر قواده “أسد الدين شركوه”، وأرسل معه ابن أخيه صلاح الدين، وأمر بإعادة “شاور” إلى منصبه، واستطاع “أسد الدين” في حملته أن يقضي على “ضرغام”، وأن يعيد الوزارة إلى “شاور” في شهر رجب عام خمس مائة وتسعة وخمسين للهجرة.
ولكن الغدر والخيانة بدت في محيا “شاور”، فأساء معاملة الناس وتنكب عن وعوده المعسولة لنور الدين، وأراد أن يغدر بـ “أسد الدين شركوه” حيث طلب منه الرجوع إلى الشام، دون أن يرسل إليه ما كان قد استقر بينه وبين نور الدين، ولما رفض “أسد الدين” الرجوع إلى الشام؛ أرسل نوابه إلى مدينة “بلبيس” فتسلمها وتحصن بها، فما كان من “شاور” إلا أن يغدر – كما هي عادة الرافضة – فأرسل إلى ملك بيت المقدس الصليبي يستنجده على “شركوه” ويطمعه في ملك مصر إن هم ساعدوه في إخراج “شركوه”، وبالفعل سارع الصليبيون بالتوجه إلى مصر ومن ثم التقوا بـ “شاور” وعساكره حتى توجهوا جميعاً إلى “بلبيس” وحاصروا أسد الدين فيها.
ولكن من رحمة الله تعالى أنه – وأثناء حصارهم لهم – وصلتهم الأنباء بهزيمة الإفرنج على “حارم”، وتملك نور الدين لها، وتقدمه إلى “بانيسا” لأخذها فأصابهم الرعب واضطروا إلى أن يراسلوا أسد الدين المحاصر في “بلبيس” يطلبون منهم الصلح وتسليم ما أخذه سلماً، فاضطر لموافقتهم على ذلك، إذ أن الأقوات قلت عندهم، وعلم عجزه عن مقاومة الفريقين، فصالحهم وخرج من “بلبيس” عام خمسمائة وتسعة وخمسين للهجرة وهوفي غاية القهر.
هذا الأمر وهذه الخيانة من قبل “شاور”، وتحالفه مع الصليبيين؛ جعل الملك الصالح نور الدين محمود، يوجه نظره إلى غزو مصر ثانيةً للقضاء على مصدر الفرقة في العالم الإسلامي ومنبع الخيانة للأمة، ألا وهي الخلافة الفاطمية، بالإضافة إلى رغبته في نشر المذهب السني والقضاء على مذهب الرفض.
فخرجت حملة من “دمشق” في منتصف شهر ربيع الأول من عام خمسمائة واثنين وستين للهجرة بقيادة أسد الدين وابن أخيه صلاح الدين، وكانوا على موعد مع النصر، ومن مقدمات هذا النصر وإرهاصاته أن قذف الله الرعب في قلوب أعداءه من الصليبيين والرافضة المرتدين، وبرغم تحالف “شاور” وقواته مع قوات الصليبيين واستنجاده بهم إلا أنهم قدموا والرجاء يقودهم والخوف يسوقهم.
فبدأت أولى المعارك بين قوات أسد الدين وقوات الصليبيين المتحالفين مع “شاور” في منطقة الصعيد بمكان يعرف باسم “البابين”، فدارت معركة حاسمة انتهت بهزيمة الصليبيين والفاطميين أمام جنود “شركوه”، فكان من أعجب ما يُؤَرخ؛ أن ألفي فارس – عدد أفراد جيش “شركوه” – تهزم عساكر مصر وفرنج الساحل.
واستمر الكر والفر بين الفريقين، حتى كان من فضل الله تعالى أن بث الله الفرقة والنزاع بين “شاور” والخليفة الفاطمي “العاضد” من جهة، وتنكر الصليبيين للوزير “شاور” من جهة أخرى.
كل ذلك بالإضافة إلى العزم الصادق على جهاد الصليبيين ونشر الدين الإسلامي الصافي على منهج الجماعة الأولى؛ ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أدى بالنهاية إلى انتصار حملة نور الدين بقيادة أسد الدين وابن أخيه صلاح الدين، واستيلائهم على مصر في نهاية المطاف.
ولكن الحقد الرافضي لم ينتهي إلى هذا الحد، بل راح الرافضة يدبرون المؤامرات والمكائد بعد سقوط الدولة العبيدية الفاطمية للتخلص من أسد الدين الذي تولى الوزارة في مصر، ومن بعده ابن أخيه صلاح الدين الذي قطع الخطبة للخليفة الفاطمي في ثاني جمعة من المحرم عام خمسمائة وسبعة وستين للهجرة، وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله.
فتمت عدة محاولات لاغتيال القائد صلاح الدين؛
# ففي عام خمسمائة وأربعة وسبعين للهجرة من شهر ذي القعدة؛ اتفق مؤتمن الخلافة – وهو خصي كان بقصر “العاضد”، وكان الحكم في القصر إليه مع جماعة من المصريين – على مكاتبة الإفرنج مع شخص يثقون به، يقترحون فيه عليهم أن يتوجه الصليبيون إلى الديار المصرية، فإذا وصلوا إليها وأراد صلاح الدين الخروج إليهم؛ قام هو ومن معه من المصريين في الداخل بقتل مخالفيهم من أنصار صلاح الدين، ثم يخرجون جميعاً في إثره حتى يأتونه من الخلف فيقتلونه ومن معه من العسكر.
ولكن الله تعالى أفشل مخططهم ذلك وانكشف حامل الرسالة، فأرسل صلاح الدين من فوره جماعةً من أصحابه إلى مؤتمن الخلافة – حيث كان يتنزه في قرية له – فأخذوه وقتلوه وأتوا برأسه، وعزل جميع الخدم الذين يتولون أمر قصر الخلافة.
# ثم جاءت المحاولة الثانية لاغتيال صلاح الدين من قبل الرافضة؛ لما ثار جند السودان الذين كانوا بمصر لمقتل مؤتمن الخلافة، لأنه كان يتعصب لهم، فجمعوا خمسين ألفاً من رجالهم وساروا لحرب صلاح الدين، فدارت بينهم عدة معارك، وكثر القتل في الفريقين، فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم المعروفة بـ “المنصورة” فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم، فلما علموا بذلك ولوا منهزمين، فركبهم السيف وظل القتل فيهم مستمراً إلى أن قضى على آخرهم؛ “توران شاه” – أخو صلاح الدين – في منطقة الجيزة.
# ولم يستكن الرافضة إلى هذا الحد؛ بل اتفق جماعة من شيعة العلويين بمصر ومنهم “عمارة اليمني” الشاعر المعروف و “عبد الصمد” الكاتب والقاضي “العويرسي” وداعي الدعاة “عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد القوي” وقاضي القضاة “هبة الله بن كامل” ومعهم جماعة من أمراء صلاح الدين وجنده، واتفق رأيهم على استدعاء الفرنج من “صقلية” ومن ساحل الشام إلى الديار المصرية على شيء يبذلونه لهم من المال والبلاد، فإذا قصدوا البلاد وخرج إليهم صلاح الدين لمقاتلتهم؛ ثاروا هم من الداخل في القاهرة ومصر وأعادوا الدولة الفاطمية.
ولكن من لطف الله تعالى بأمة الإسلام أن كشف مخططهم قبل أن يتم، حيث كان من ضمن من أدخلوه معهم في المؤامرة وأطلعوه على خبيئتهم؛ الأمير زين الدين علي بن الواعظ، الذي أبت نفسه أن تقبل بهذه الدنيئة وهذه الخيانة، فأخبر صلاح الدين بما تعاقد عليه القوم، فكافأه على ذلك، ثم استدعاهم واحداً واحدا، وقررهم بذلك فأقروا، ثم اعتقلهم واستفتى الفقهاء في أمرهم؛ فأفتوه بقتلهم، فقتل رؤوسهم وأعيانهم وعفى عن أتباعهم وغلمانهم، وأمر بنفي من بقي من جيش العبيديين إلى أقصى البلاد.
وبذلك تكون مصر قد بدأت صفحةً منيرةً من تاريخها، إذ أعاد صلاح الدين البلاد إلى المذهب السني من جديد، وأرجع تبعيتها للدولة العباسية، ثم راح يرتب صفوفه من جديد.
ولولا مشاغلة الرافضة له ومحاولاتهم العديدة في تدبير المؤامرات لاغتياله؛ لما تأخر بعد ذلك النصر الكبير للأمة الإسلامية إلى عام خمسمائة وثلاثة وثمانين للهجرة، حيث انشغل صلاح الدين بقتال الرافضة، ولما تمكن من القضاء عليهم كدولة وكقوة، استطاع بعدها أن يتفرغ لقتال الصليبيين، ومن ثم استعادة بيت المقدس من أيديهم في موقعة “حطين” الفاصلة.
ولهذا كله؛ فإن شخصية صلاح الدين رحمه الله تعالى، بقدر ما هي تمثل الرمز الناصر لدين الله والمجدد لعز هذه الأمة عند أهل السنة، بقدر ما تغيظ منها رؤوس الرافضة وبقدر ما يبغضون هذه الشخصية.
Filed under: إعرف عدوك أيها المسلم |
اترك تعليقًا