فضل الدعوة وثمراتها

بسم الله الرحمن الرحيم
فضل الدعوة وثمراتها

فيصل بن عبدالله العمري

الحمد لله الذي يدعوا إلى دار السلام, ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم, والصلاة والسلام على إمامنا وقدوتنا نبينا محمد بن عبد الله, عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا, كان يدعوا إلى الله بقوله وفعله قولاً وسلوكاً, وقد أمره الله بالدعوة فقال: :{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (125/النحل).

أما بعد
أيها الإخوة إن الدعوة إلى الله شأنها عظيم, وفضلها كبير, وليس هناك خبر أصدق من خبر رب العالمين حيث قال: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (فصلت:33)
ففي هذه الآية استفهام تقريري بمعنى النفي: أي لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى توحيد الله وطاعته, ولا أحد أحسن كلاماً وطريقةً وحالةً ممن دعا إلى الله بتعليم العلم النافع,وترغيب الناس في مكارم الأخلاق. وقد قال بعض العلماء هذه الآية بشرى لأهل الإيمان وصالح الأعمال, ممن اكتملت فيه ثلاثة شروط:
1- الدعوة إلى الله.
2- وعمل صالحاً فأدى الفرائض واجتنب المحارم.
3- فاخر بالإسلام واعتز به وقال إنني من المسلمين.
فلا أحد أحسن قولا من هذا الذي ذكرت شروط كماله, فهذه الآية تبين وتوضح فضل الدعوة إلى الله تعالى وشرف الدعاة العاملين.
ويدخل في هذه الآية, كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق المشروعة ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

– ومما يدل على فضل الدعوة كذلك أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام بها فقال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(النحل: من الآية125)

– والدعوة إلى الله وظيفة رسل الله عليهم الصلاة والسلام, وكفى بذلك فضلاً وفخراً وشرفاً.

– والدعاة هم خير هذه الأمة على الإطلاق ، قال تعالى في سورة آل عمران :{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (110/آل عمران)

– والدعاة إلى الله موعودون بالفلاح في الدنيا والآخرة, قال سبحانه في سورة آل عمران :{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (104/آل عمران)

– والدعاة قولهم في مضمار أحسن الأقوال ، و كلامهم في التبليغ أفضل الكلام .. قال جل جلاله في سورة فصلت :{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (فصلت:33)

– والدعاة إلى الله يشملهم الله برحمته الغامرة ، ويخصهم بنعمته الفائقة :
قال عز من قائل في سورة التوبة :{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (التوبة/ 71)
– و الدعاة إلى الله أجرهم مستمر ومثوبتهم دائمة .. روى مسلم وأصحاب السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)
– ويكفي الدعاة فخراً وخيرية .. أن تسببهم في الهداية خير مما طلعت عليه الشمس وغربت: روى البخاري عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( .. فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعم )) وفي رواية : (( خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ))
فهذه بعض فضائل الدعوة إلى الله.

– ثمرات الدعوة إلى الله:
1- الداعي إلى الله له من الأجر مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة كما في الحديث:\” من دل على هدى كان له من الآجر مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة.
2- الدعوة إلى الله تثمر لصاحبها الثبات على الهدى.
3- الدعوة إلى الله تثمر البركة في عقب الداعي وأهله.
4- الدعوة إلى الله يصلح بها حال المجتمع المحيط بالداعية وقد تتعدى بركة الدعوة إلى أماكن كثيرة.
5- الدعوة الصادقة إلى الله تثمر الحب للداعية في قلوب الخلق.
6- الدعوة إلى الله طريق لدخول الناس في دين الله وصلاح المجتمعات.
7- الدعوة طريق لتقليص المنكرات وقطعها.
8- الدعوة إلى الله سبيل لرد دعوات المضلين ودحضها.
9- الدعوة إلى الله سبيل في استمرار الدين وثباته في المجتمعات.
10- الدعوة إلى الله سبيل في عزة الإسلام ورفع شأنه ونشره.
فهذه بعض ثمرات الدعوة إلى الله وكفي للدعوة ثمرة أنها سبيل قيام الدين الذي ارتضاه للناس رب العالمين.
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه
فيصل بن عبدالله العمري
عضو مركز الدعوة بمكة

الرابط

فضل الدعوة والداعية عند الله

فضل الدعوة والداعية عند الله

عبدالله ناصح علوان

أتعرفون – يا شباب – فضل الدعوة والداعية عند الله ؟

أتعرفون المنزلة الكبرى التي خص الله سبحانه بها دعاة الإسلام ؟

أتعرفون ماذا أعد الله للدعاة من مثوبة وأجر وكرامة ؟

* يكفي الدعاة – يا شباب – منزلة ورفعة .. أنهم خير هذه الأمة على الإطلاق ،

قال تعالى في سورة آل عمران : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..)) .

* يكفي الدعاة سمواً وفلاحاً أنهم المفلحون والسعداء في الدنيا والآخرة ،

قال سبحانه في سورة آل عمران : (( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) .

* ويكفي الدعاة شرفاً وكرامة أن قولهم في مضمار أحسن الأقوال ، وأن كلامهم في التبليغ أفضل الكلام ..

قال جل جلاله في سورة فصلت : (( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) .

* ويكفي الدعاة منَّا وفضلاً أن الله سبحانه يشملهم برحمته الغامرة ، ويخصهم بنعمته الفائقة ..
قال عز من قائل في سورة التوبة :

(( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) .

* ويكفي الدعاة أجراً ومثوبة .. أن أجرهم مستمر ومثوبتهم دائمة ..

روى مسلم وأصحاب السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

(( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً .. )) .

* ويكفي الدعاة فخراً وخيرية .. أن تسببهم في الهداية خير مما طلعت عليه الشمس وغربت .
روى البخاري عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :

(( .. فوالله لأن يهدي بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعم ))

وفي رواية : (( خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت )) .

هل رأيتم – يا شباب – منزلة تضاهي منزلة الدعوة ؟
وهل سمعتم في تاريخ الإنسانية كرامة تعادل كرامة الداعية ؟

فإذا كان الأمر كذلك فانطلقوا – يا شباب – في مضمار الدعوة إلى الله مخلصين صادقين ..

لتحظوا بالأجر والمثوبة ، والرفعة والكرامة .. في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..

في مجمع من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً !! .

من كتاب دور الشباب في حمل رسالة الإسلام

لعبدالله ناصح علوان

الرابط

فضل الدعوة .. والدعاة ..

فضل الدعوة .. والدعاة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم ..

أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته … هذه بعض الوقفات في فضل الدعوة والدعاة .. ونسأل الله أن يكون ذلك حافزا لنا في الدعوة إلى الله تعالى ..

الدعوة إلى الله تعالى مذهب سيد البشر

الدعوة إلى الله تعالى مذهب سيد البشر وإمام المؤمنين .. الرسول الحبيب .. صلى الله عليه وسلم .. قال تعالى (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا)
فيا من تدَّعي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هذا هو حبيبك وإمامك (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)

الطاعة في أمر الله بالدعوة إليه

قال تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وقال سبحانه (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال (وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم) وقال تعالى (وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين) .. وقال (قل إني أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ، إليه أدعو وإليه مآب) ..
فالأمر يستدعي الوجوب .. ومن قال بفرض الكفاية .. فأي كفاية والأمة الإسلامية غارقة في كثير من طبقاتها في الجهل وضعف الاتباع والإنحرافات والبدع .. وكثرة المحتاجين للدعوة والتعليم من المقبلين ..
هذا فضلا عن الأمم الكافرة والمعادية للإسلام ..

فلا يختلف إثنان على أن الدعوة والدعاة لا يكفون المطلوب في الأمة ..

خيريَّتهم .. ومدح الله لهم

أمة تحتضن الدعاة إلى الله هي خير الأمم .. بشهادة رب العالمين وخالق الأولين والآخرين ..
قال تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) .. فأي فضيلة بقيت لمن خلفهم .. وأي سبق حازه من تركهم .. إنها والله الفضائل كلها أن يمدح رب العالمين كوكبة تقوم بالعمل والدعوة إليه سبحانه ..

الداعية صاحب أحسن الأقوال

قال تعالى مادحا قول الداعية (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) .. فلا يوجد قول أحسن من قوله .. فهو دليل الناس إلى ربهم .. ومبشر العباد إلى فضل خالقهم ..

الداعية له أجره وأجر من علم بما علم

قال صلى الله عليه وسلم (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا)

الدعوة إلى الله وسيلة من وسائل دفع النفاق

ولا شك أن الدعاة هم أبعد الناس عن النفاق (ولا أقول الرياء) .. فالمنافقون لا يستطيعون الصبر على تكاليف الدعوة ومشاقها .. وقد قال الله تعالى فيهم (والمنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف)
فمن كانت الدعوة خصلته حفظ بإذن الله من النفاق ..
وهذا لا يعني أن بعض المنافقين يتلبسون بلباس الدعوة حبا في دس المنكر بين ثنايا الدعوة .. فهذا يحذر منه كما يتمسك بالداعية الصادق ..
بصيرة الداعية بشهادة رب العالمين
في خضم الجهل المنتشر بين كثير من الناس ,, والعمى المستشري بينهم .. يبرز الداعية الذي يدعو بعلم ويقين كما قال تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)

الداعية يحفظ من عقوبات الدنيا

ولقد انقسم قوم أصحاب السبت إلى ثلاثة أقسام : العصاة ، والدعاة ، والتاركين للدعوة مع عدم العصيان .. فقال الله عز وجل (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) ..

حفظ الله لأهل القرى بسبب الدعاة إلى الله

قال تعالى (وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) .. فالقرى وإن كان فيها ظلم لا تهلك إذا قام فيها المصلحون بما يجب عليهم من الدعوة والعمل لله .. فإذا غلب على القرية الإصلاح حفظها الله من العقوبات الدنيوية .. بفضله ومنه سبحانه .
وقال تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن اللذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)

الداعية مأجور حتى بألمه ونَصَبه

فالأجر عند الداعية غير مرتبط بما يقوله فقط .. ولكن كل أمور الدعوة والجهاد في سبيله مأجور عليها المؤمن حتى التعب والمعاناة .. (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) فهل يكون هؤلاء الكفرة من المنصرين أكثر تفاعلا في دعوتهم وهم الذين لا يرجون هذا الأجر العظيم والرزق الكبير .. حتى في الألم والضيق ..

الوسطية .. والشهادة على الخلق ..

قال تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)

الدعاة في النور وغيرهم في الظلمات

قال تعالى (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) فهم أنفع الناس للناس وهم دلائل الخير للبشر ..

توبة الله على أهل الإصلاح ولو كانوا من أهل الذنوب العظام

قال تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزلناه من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون . إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) ومن أعظم ذنبا ممن لعنه الله ويلعنه اللاعنون .. فمن بين وأصلح فله التوبة من الله عز وجل ..

الدعوة غير محصورة بوقت ولا مكان ولا طريقة

فهذا نوح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه ليلا ونهارا (قال رب إن دعوت قومي ليلا ونهارا)
ويطرح طرق مختلفة (ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا)
وهذا يوسف عليه السلام يدعو في السجن (يا صحابي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)
فمن أعجزته طريقة وجد أخرى .. ومن أغلق عليه باب فتحت له أبواب .. وهي الوسيلة الميسرة للجميع .. فالدعوة وسيلة ميسرة الوصول للصغير والكبير .. للعالم ولقليل العلم .. للخطيب وللمجاهد وللضعفاء وللمساجين ..

عظم أجر الداعية

فأجره على الله .. ولا يأخذه من العباد .. ولذا كان عظم الأجر .. فالكريم لا يعطي لمن يحب إلا عظيما .. قال تعالى (فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين)
فأي أجر أعظم من أن يكون معطي رب العالمين ومالك الأملاك وأكرم الأكرمين .

البشرى بالنصرة والتمكين

قال تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) والدعاة هم الذين يقومون بهذه المهمة المكللة بالنصر المبشر به..
وقال تعالى : (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)

الدعاة يرعبون الطواغيت وفراعنة الأرض

فما هذه الحملات والمعتقلات والاغتيالات إلا فضائل الدعوة والدعاة .. الذين أرعبوا طواغيت الأرض كما رعب منهم فرعون وخاف (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) .. فما يكون لمثل هذا الذي ادعى الألوهية أن يقول مثل هذا الكلام لولا الرعب الذي يهز الأولين والآخرين من الدعاة إلى سبيل الله عز وجل ..

الدعاة هي أهل الإيمان

قال صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل)
الدعوة إلى الله حماية منه عز وجل
فهي الوقاية الوحيدة من الله والالتجاء الوحيد إليه . قال تعالى (إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته) فالبلاغ حصن المسلم.

الوعد بالتمكين في الأرض

(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا)ولا شك أن المؤمنين هم الذين يسعون للاستخلاف في الأرض بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الوسائل الشرعية .. ولا يمكن تصور ذلك في القابعين في بيوتهم ..

وقال تعالى (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) وخوف الوعيد هو العمل بالدعوة إلى الله للآيات السابقة ..

أبو أحمـد
شبكة الفجر

الرابط

النظرة سهم مسموم فاحذروا

النظرة سهم مسموم فاحذروا

لبنى شرف – الأردن

دعتني مرة أم إحدى الأخوات لحضور حفل زواج ابنها، فسألتها: هل سيدخل ابنك صالة النساء؟
فأجابت: طبعاً، فهذه عادة الناس.
قلت لها: وكيف يا خالة يحدث هذا؟!
قالت: وماذا سيقول الناس عنا؟
فقلت لها: هذه هي المصيبة، إننا نخاف كلام الناس أكثر من خوفنا من الله!!

ولمن لا يعرف، نحن عندنا عادة قبيحة جداً تحدث في الأعراس، وهي دخول الزوج مع عروسه إلى صالة النساء، فيجلس قليلاً ثم يخرج، ثم يدخل مرة أخرى فيلبسها الحُلي، ويُصوَّر معها، وقد يسوء الأمر أكثر فيرقص معها ومع أخواته، حتى تكتمل المهزلة أمام النساء!!

النساء عندما أقول لهن هذا الكلام، يقلن لي: الزوج في شغل عن أن ينظر إلى النساء. فأجيبهن: وماذا عن نظر النساء له؟ هذا إذا سلمنا بأنه لن تقع عينه على النساء.

ألقاهُ في اليمِّ مكتوفاً، وقال لهُ: *** إيّاكَ إيّاكَ أن تبتلَّ بالماءِ

ثم لا يخفى عليكم أن الزوج سيكون بهي الطلعة، وفي كامل زينته، أليس في هذا فتنةٌ للنساء؟ وقد يولِّد الحسرة في قلوب نساء، والغيرة عند أخريات، أو قد يثير دواعي الحسد في نفوس ضعيفات الإيمان.

أنا أذكر أن إحدى الأخوات قالت لي مرة: لو أننا وضعنا آلة تصوير، وسلطناها على النساء لحظة دخول العروسين الصالة؛ لنر كم واحدة منهن ستغض بصرها عن الزوج؟

وحتى يزداد الأمر قبحاً، وضعت بعض الصالات شاشات يظهر فيها العروسان بوضوح، حتى يتسنى لمن لم ترَ عن قرب! هذا عدا الأمور المستقبحة الأخرى التي تحدث في الأعراس، وفي صالة النساء بالذات، حتى إني ما عدت أرغب بحضورها؛ لما تثيره في نفسي من شعور بالاشمئزاز، بل إنني شعرت بالخزي لِما ذكرته إحدى الأخوات، من أن امرأة من الغرب وصفت ما رأته من لباس النساء عندنا في تجمعاتهن بأنه شذوذ!!

وأزيدكم: كنت ذات مرة أجلس بجانب إحدى الأخوات، وإذا بها تخرج صورة خطيبها (الخاطب عندنا هو العاقد)؛ لتريَها صديقتها، فقفزت الأخت التي تجلس عن جانبي الآخر تطلب رؤية الصورة، فقلت أنهرها: متزوجة ومنتقبة –وثالثة الأثافي أنها طالبة في كلية الشريعة!- ما لك وما له؟ وما حاجتك للنظر إليه؟ قلت ذلك علها ترتدع، لا أن غير المتزوجة أو غير المنتقبة لها أن تتساهل في النظر، والنظر المقصود غير النظر العفوي، ولكنها ضربت بكلامي عُرض الحائط، وأخذت الصورة، وجعلت تنظر وتحملق فيها!

لست أدري كيف تنظر امرأة إلى غير زوجها بهذا الشكل؟ وماذا يا ترى بعد هذه النظرات؟ وأين غيرة تلك على خطيبها؟!

توجهت بكلامي إلى صاحبة الصورة، أعظها أنه ما كان ينبغي أن تحضرها، فكيف سنعين بعضنا على غض البصر، ونعيش في مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات؟ ألا يكفي هذا الفساد وهذه الفتن في الشوارع والطرقات، حتى نحضر الشر نحن بأيدينا إلى الناس؟!
هل ترون أني أبالغ؟ لا، أنا لا أبالغ، فالنظرة قد تتبعها نظرات، وقد تترك آثاراً في النفس لا يعلم مداها إلا الله، وخاصة إذا وافقت قلباً خالياً، أو لحظة ضعف في النفس.
والنظرة تثير، والله -سبحانه وتعالى- خالق هذه النفس الإنسانية، والعليم بمكنوناتها وما يثيرها، أمرنا بإجراء وقائي فيه طهارة القلوب، نتقي به أسباب الفتنة، للحيلولة دون وصول هذا السهم المسموم.

يقول تعالى: ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصـٰرهم..﴾{النور:30}، ﴿وقل للمؤمنـٰت يغضضن من أبصـٰرهن..﴾{النور:31}.
وقال عليه الصلاة والسلام: “يا علي، لا تتبع النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة” [ذكره الألباني في صحيح الجامع: 7953، وقال: حديث حسن].

أيها الشباب لا تجربوا المعاصي

أيها الشباب لا تجربوا المعاصي

د. بدر عبد الحميد هميسه

بسم الله الرحمن الرحيم

فترة الشباب من أهم وأخطر الفترات في حياة كل إنسان ؛ فهي الفترة التي تتفتح فيها أعين المرء على الحياة بكل ما فيها من شبهات وشهوات ومغريات , والسعيد من عصمه الله تعالى فكان من الذين قال في وصفهم : \” إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) سورة الكهف .

لذا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله \” وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ \” ( متفق عليه ).

وتأتي أهمية مرحلة الشباب في حياة الإنسان، لما تتميز به من الحيوية والنشاط، وحدة الذكاء، والقدرة على الاستيعاب، والصبر والتحمل، ولما تتميز به من الميل إلى التقليد، واتخاذ قدوات يجعلها الشاب نصب عينه ويحاول الوصول إلى مستواها.

لذا فإن الشيطان يحاول التلبيس على الشاب والدخول إليه من مدخل التجربة وحب الاستطلاع , فكلما أراد أن يفر من المعصية يقول له : أنت شاب لماذا لا تجرب ؟ .

لذا فقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً رائعاً لعابد أغواه الشيطان عن طريق مدخل ( جرب ) حتى أوقعه في الكفر ,قال تعالى: \” كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)سورة الحشر.

ذكر المفسرون في مناسبة هذه الآية: أن عابدا كان في بني إسرائيل وكان من أعبد أهـل زمانه وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت وكانت بكرا ليس لهم أخت غيرها. فخرج الغزو على ثلاثتهم فلم يدروا عند من يخلفون أختهم ولا عند من يأمنون عليها، ولا عند من يضعونها، قال: فاجتمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل وكان ثقة في أنفسهم، فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده فتكون في كنفه وجواره إلى أن يقفلوا من غزاتهم. فأبى ذلك عليهم وتعوذ بالله منهم ومن أختهم. قال فلم يزالوا به حتى أقنعوه فقال الراهب: أنزلوها في بيت حذاء (مقابل أو جوار) صومعتي فأنزلوها في ذلك البيت ثم انطلقوا وتركوها فمكثت في جوار ذلك العابد زمانا ينزل إليها الطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد في صومعته ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضـع لها من الطعام. فتلطف له الشيطان فلم يزل يرغبه في الخير ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نهارا، وبخوفه أن يراها أحد فيعلقها. قال فلبث بذلك زمانا، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والأجر وقال له: لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه، في بيتها كان أعظم لأجرك، قال: فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها فوضعه في بيتها، قال: فلبث بذلك زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه، وقال: لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك، فإنها قد استوحشت وحشة شديدة، قال: فلم يزل حتى حدثها زمانا يطلع عليها من فوق صومعته قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها وتقعد على باب بيتها فتحدثك كان آنس لها فلم يزل به حتى أنزله وأجلسه على باب صومعته يحدثها، وتخرج الجارية من بيتها، فلبثا زمانا يتحدثان ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وفيما له من حسن الثواب فيما يصنع بها، وقال: لو خرجت من باب صومعتك فجلست قريبا كان آنس لها فلم يزل به حتى فعل، قال: فلبثا زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها، وقال له: لو دنوت من باب بيتها فحدثتها ولم تخرج من بيتها ففعل فكان ينزل من صومعته فيقعد على باب بيتها فيحدثها فلبثا بذلك زمانا. ثم جاءه إبليس، فقال: لو دخلت البيت معها تحدثا ولم تتركها تبرز وجهها لأحد كان أحسن بك فلم يزل به حتى دخل البيت! فجعل يحدثها نهاره كله فإذا أمسى صعد صومعته. قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها ف لم يزل به إبليس يحسنها في عينه ويسول له حتى وقع عليها فاحبلها فولدت له غلاما. فجاءه إبليس، فقال له: أرأيت إن جاء إخوة هذه الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع لا آمنت عليك إن تفتضح أو يفضحوك! فاعمد إلى ابنها فاذبحه وادفنه فإنها ستكتم عليك مخافة إخوتها إن يطلعوا على ما صنعت بها ففعل.

فقال له أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها وقتلت ابنها! خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها فلم يزل بها حتى ذبحها وألقاها في الحفرة مع ابنها وأطبق عليها صخرة عظيمة وسوى عليها التراب وصعد في صومعته يتعبد فيها فمكث في ذلك ما شاء الله إن يمكث.

حتى قفل إخوتها من الغزو فجاءوه فسألوه عنها فنعاها لهم وترحم عليها وبكى لهم وقال: كانت خير أمة وهذا قبرها فانظروا إليه فأتى إخوتها القبر فبكوا وترحموا عليها وأقاموا على قبرها أياما ثم انصرفوا إلى أهليهم.

فلما جن الليل عليهم واخذوا مضاجعهم أتاهم الشيطان في صورة رجل مسافر فبدأ بأكبرهم فسأله عن أختهم فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها وكيف أراهم موضع قبرها فكذبه الشيطان وقال لم يصدقكم أمر أختكم إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلاما فذبحه وذبحها معه فزعا منكم وألقاها في حفرة احتقرها خلف الباب الذي كانت فيه عن يمين من دخله فانطلقوا فادخلوا البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله فإنكم ستجدونها هنالك جميعا كما أخبرتكم.

قال: وأتى الأوسط في منامه وقال له مثل ذلك ثم أتى أصغرهم فقال له مثل ذلك فلما استيقظ القوم استيقظوا متعجبين لما رأى كل واحد منهم، فاقبل بعضهم على بعض، يقول كل واحد منهم: لقد رأيت البارحة عجبا، فأخبر بعضهم بعضا بما رأى، قال أكبرهم: هذا حلم ليس بشيء، فامضوا بنا ودعوا هذا. قال أصغرهم: لا أمضي حتى أتى ذلك المكان فأنظر فيه. قال فانطلقوا جميعا حتى دخلوا البيت الذي كانت أختهم فيه ففتحوا الباب وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في منامهم فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحقيرة كما قيل لهم فسألوا العابد فأقر على نفسه فأمر بقتله. قال ابن عباس: فلما صلب قال الشيطان له: أتعرفني؟ قال. لا والله! قال أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات أما اتقيت الله، أما استحيت منه وأنت أعبد بني إسرائيل! ثم لم يكفك صنيعك حتى فضحت نفسك، وأقررت عليها وفضحت أشباهك من الناس فإن مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدك فقال كيف أصنع؟ قال: تطيعني في خصلة واحد وأنجيك منهم وآخذ بأعينهم قال: وما ذاك؟ قال تسجد لي سجدة واحدة! فقال: أنا أفعل فسجد له من دون الله. فقال الشيطان: هذا ما أردت منك كان عاقبتك أن كفرت بربك، إني بريء منك إ ني أخاف الله رب العالمين. تفسير القرطبي 18/39 .
فانظر إلى الشيطان كيف دخل إلى هذا العابد من مدخل التجربة ,فزين له المعصية وكان كلما أراد أن يرجع يقول له : جرب حتى أوقعه في الكفر عياذاً بالله .

وإذا ما تلبس المرء بالمعصية جرت عليه تبعات وحسرات وعواقب وخيمة من أهمها :

1- أن المعصيةَ تُورِثُ صاحِبَها وحشةً وظلمة في القلب .
قال تعالى : \” فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) سورة الأنعام , وقال : \” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) سورة الرعد.

عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ ، عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْب أَنْكَرَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفََا ، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا ، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ. أخرجه أحمد 5/386(23669و\”مسلم\” 1/89(286) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الْقُرْآنِ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). أخرجه أحمد 2/297(7939) و\”ابن ماجة\” 4244 و\”التِّرمِذي\” 3334 و\”النَّسائي\” في \”الكبرى\” 10179 الألباني :حسن ، التعليق الرغيب ( 2 / 268 ).

قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ وَكَمَا لَا يُحِبُّ اللَّهُ عَمَلَ الْمُشْتَرَكِ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْقَلْبَ الْمُشْتَرَكَ ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ بَيْتُ الرَّبِّ ، وَالرَّبُّ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ غَيْرُهُ. فيض القدير 2/310.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ :

رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ * * * وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ * * * وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا

وقال بعض العارفين : النفوس ثلاثة : نفس معيبة ، لا يقع عليها بيع ولا شراء ، وهي نفس الكافر ، ونفس تحررت؛ لا يصح بيعها ، وهي نفس الأنبياء والمرسلين ، لأنها خُلقت مطهرة من البقايا ، ونفس يصح بيعها وشراؤها ، وهي نفس المؤمن ، فإذا باعها لله ، واشتراها الحق تعالى منه ، وقع عليها التحرير ، وذلك حين تحرر من رقّ الأكوان ، وتتخلص من بقايا الأثر . تفسير ابن عجيبة 2/451.

وهذه الوحشة والظلمة التي في القلب تؤدي إلى حرمان الطاعة ,كما أنها تورث وهناً وضعفاً في البدن, قال ابن القيم\” فإن الذنوب تضر بالأبدان وأن ضررها بالقلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر وهل في الدنيا والمعاصي فما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السموات وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وباطنه أقبح من صورته وبدله بالقرب بعدا وبالجمال قبحا وبالجنة نارا وبالإيمان كفرا.

2- تكون سببا لِهوانِ العبدِ على ربِّه وهوانه على الناس .
قال تعالى : \” فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) سورة النمل .

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ , وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً ، كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ , فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ , فَيَجِىءُ بِالْعُودِ , وَالرَّجُلُ يَجِىءُ بِالْعُودِ , حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا , فَأَجَّجُوا نَارًا , وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا. أخرجه أحمد 1/402(3818) ( حسن ) انظر حديث رقم : 2687 في صحيح الجامع .

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ( إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب ، ونقصاً في الرزق ، ووهناً في البدن ، وبُغضاً في قلوب الخلق ). ابن تيمية، منهاج السُّنة 1/ 269.

قال ابن الجوزي في \” اللطائف ص 2: \” إياك والذنوب فإنها أذلت أباك بعد عز ‏(‏اِسجدوا‏)‏ وأخرجته من أقطار ‏(‏اسكُن‏)‏ مذ سبى الهوى آدم هوى دام حزنه فخرج أولاده العقلاء محزونين وأولاده السبايا أذلة أعظم الظلمة ما تقدمها ضوء وأصعب الهجر ما سبقه وصل واشد عذاب المحب تذكاره وقت القرب كان حين إخراجه لا تمشي قدمه والعجب كيف خطا‏. ‏
قال شابٌ للحسن البصري : أعياني قيام الليل ، فقال : قيدتك خطاياك .
قال الحسنُ البصري عن العصاة : هانُوا عليه فَعَصَوه ، ولو عَزُّوا عليه لَعَصَمَهُم .
يقول الشاعر :

يا ناظرا يرنوا بعيني راقد *** ومشاهدا للأمر غير مشاهد
منيت نفسك ظلة وأبحتها *** طرق الرجاء وهن غير قواصد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي *** درج الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج أدما *** منها إلى الدنيا بذنب واحد

والمعصية تكون سبباً في بغض الناس ونفورهم من صاحبها , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ ، وَإِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ، قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ. أخرجه \”أحمد\” 2/267(7614) و\”البُخاري\” 7485 و\”مسلم\” 6798 .

قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيُلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.
وقال سليمان التيمي : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح و عليه مذلته.
وقال الفضيل بن عياض :\” إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي\”. ابن الجوزي : صيد الخاطر 34.

3-حرمان الطاعة ونقصان الإيمان .
قال تعالى : \” الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) سورة الأنعام .
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَزْنِى الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ.
فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : كَيْفَ يُنْزَعُ الإِيمَانُ مِنْهُ قَالَ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.أخرجه البخاري 8/197(6782) و\”النَّسائي\” 8/63 .
ففي هذا الحديث يبين لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أثر المعاصي على الإيمان، وكيف أنه يضعف ويهزل حتى لا يبقى منه إلا القليل، كل ذلك بسبب المعاصي، فعلى المسلم الذي يريد أن يحافظ على منسوب إيمانه عالياً مرتفعاً أن يواظب على الطاعات، ويجتنب المعاصي والسيئات، ففي ذلك نجاته في الدنيا والآخرة .
قال الشاعر :

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا … فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً … وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
غَفَلْنَا الْعُمُرَ وَاللهِ حَتَّى تَدَارَكَتْ … عَلَيْنَا ذُنُوبٌ بَعْدَهُنَّ ذُنُوبُ
فَيَا لَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى … وَيَأْذَنُ فِي تَوْبَاتِنَا فَنَتُوبُ

4- تكونُ سبباً في حِرْمانِ العلم والرزق .
قال تعالى : \” وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) سورة طه.
قاله مجاهد. وقيل : أنساهم نصيباً من الكتاب بسبب معاصيهم ،

قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه: \”إني لأحسب الرجل ينسى العلم، بالخطيئة يعلمها\” . أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن (رقم 487)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (رقم 1195)، والخطيب في الجامع (رقم 1850).

وقال رجل للإمام مالك: \”يا أبا عبد الله، هل يصلح لهذا الحفظ شيء ؟ قال: إن كان يصلح له شيء، فترك المعاصي\” . الجامع للخطيب (رقم 1846).
ذكر عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه عن محمد بن سيرين أنه لما ركبه شيء اغتم لذلك فقال:\” إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة \”.

روي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له ناصحا: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية , لذا فقد قال الشافعي :

شَكَوتُ إِلى وَكيعٍ سوءَ حِفظي * * * فَأَرشَدَني إِلى تَركِ المَعاصي
وَأَخبَرَني بِأَنَّ العِلمَ نورٌ * * * وَنورُ اللَهِ لا يُهدى لِعاصي

قال ابن القيم :

حُبُّ الكتابِ وحبُّ ألحانِ الغناء * * * في قلبِ عبدٍ ليس يجتمعان

قال سبحانه وبحمده : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل:112].
عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ ، وَلاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ. أخرجه أحمد 5/277(22745) و\”ابن ماجة\” 90 و4022.
قال الإمام الشافعي :

إذا كنت في نعمةٍ فارعَها * * * فإن المعاصي تُزيلُ النّعم
وحُطها بطاعةِ ربِّ العباد * * * فَرََبُّ العبادِ سريعُ النِّقَم

5- دخول النار وغضب الجبار .
قال سبحانه : بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) سورة البقرة .

وقال سبحانه :\” يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) سورة آل عمران .

عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ وَثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى. أَخْرَجَهُ أحمد 2/134(6180) و\”النَّسائي\” 5/80 ، وفي (الكبرى ) 2354.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ الإِمَامَ لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَا ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ ، قَالَ : وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً سِلْعَةً بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ لأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. أخرجه أحمد 2/253(7435) و\”البُخاري\” 2358 \”مسلم\” 212.

قال الشاعِر:

وإذا خلوتَ بِريبةٍ في ظُلْمَةٍ * * * والنَّفْسُ داعيةٌ إلى الطُغْيانِ
فاستحي من نظرِ الإلهِ * * * وقُلْ لها إنَّ الذي خلقَ الظلامَ يَرَاني

وجاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم يقول: إن نفسي تراودني المعصية ولا أستطيع كبح جماحها، فماذا أفعل؟ قال: إذا وفيت بخمس فاعص الله ما شئت، قال: وما هي؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه، ولا تنم في أرضه، ولا تعصه أمام عينيه قال: وكيف يكون هذا؟ وكل ما في الأرض لله والأرض ملكه، والسماء سماؤه، وفي أي ركن أكون منها، فالله تعالى يعلم السر وأخفى! قال: أما تستحي أن تأكل من رزقه وتنام على أرضه وتعصه أمام عينيه؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله وجاءك ملك الموت فلا تذهب معه أو جاءتك زبانية العذاب فلا تذهب معهم، قال: وكيف يكون هذا؟: إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، قال: فإذا علمت قدر نفسك، لا تستطيع أن ترد ملك الموت، أو زبانية العذاب فلم تعصه؟ فكانت توبة بعد ذلك نصوحا.

قال أحمد بن أبي الجواري : كنت يوماً جالساً على غرفة فإذا جارية صغيرة تقرع الباب فقلت : من بالباب؟ فقالت : جارية تسترشد الطريق فقلت : طريق النجاة أم طريق الهرب فقالت : يا بطال اسكت فهل للهرب طريق وأينما يهرب العبد فهو في قبضة مولاه فعلى العاقل أن يهرب في الدنيا إلى خير مكان حتى يتخلص في الآخرة من شر مكان وخير مكان في الدنيا هو المساجد ومجالس العلوم النافعة فإن فيها النفحات الإلهية.

قال الحسن : كل يوم لا تعصي الله فهو لك عيد جاء بعضهم إلى بعض العارفين فسلم عليه و قال له : أريد أن أكلمك فقال : اليوم لنا عيد فتركه ثم جاء يوما آخر فقال له مثل ذلك ثم جاء يوما آخر فقال له مثل ذلك فقال له : ما أكثر أعيادك قال : يا بطال أما علمت أن كل يوم لا تعصي الله فيه فهو لنا عيد. لطائف المعارف 314.

قال ابن الجوزي : \” لى متى تميل إلى الزخارف، وإلى كم ترغب لسماع الملاهي المعازف، أما آن لك أن تصحب سيداً عارف، قد قطع الخوف قلبه، وهو على علمه كاكف، يقطع ليله قياماً، ونهاره صياماً، لا يميل ولا آنف، دائم الحزن، والبكاء متفرغٌ له، ومنه خائف، ومع ذلك يخشى القطيعة والانتقال إلى صعب المتالف، وأنت في غمرة هواك وعلى حب دنياك واقف، كأني بك وقد هجم عليك الحمام العاسف، وافترسك من بين خليلك وصديقك المؤالف، وتخلَّلى عنك حبيبك وقريبك ومن كنت عليه عاطف، لا سيتطيعون رَدَّ ما نزل بك، ولا تجد له كاشف، وقد نزلت بفناء من له الرحمة والإحسان واللطائف، فلو عاتبك لكان عتبه على نفسك من أخوف المخاوف، وإن ناقشك في الحساب، فأنت تألف، أين مقامك من مقام الأبطال يا بطال، يا كثير الزلل والخطايا، يا قبيح الفعال، كيف قنعت لنفسك بخساسة الدون يا معنون، وغرتك أمانيك بحب الدنيا يا مفتون، هلا تعرضت لأوصاف الصدق فاستحليت بها القالب الحق: (التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ) إلى متى أنت مريض بالزكام؟ ومتى تستنشق ريح قميص يوسف عليه السلام يا غلام؟ لعله يرفع عن بصيرتك حجاب العمى، وتقف متذللاً على باب إله الأرض والسماء، خرج قميص يوسف مع يهوذا من مصر إلى كنعان، فلا أهل القافلة علموا بريحه، ولا حامل القميص علم، وإنما قال صاحب الوجد: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)، كل واحد منكم في فقد قلبه كيعقوب في فقد يوسف، فلينصب نفسه في مقام يعقوب، ويتحسر وليبك على ما سلف، ولا ييأَس، كيف طريق التحسس قطع مرحل الليل وركوب نجائب العزم إنضاء بعير الجسم ومصاحبة رفقة الندم والمستغفرين بالأسحار0المواعظ 15.

وقال : \” يا بطال، إلى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير بمعذور؟ إلى متى يقال عنك: مفتون ومغرور؟ يا مسكين، قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور؟ أترى مقبول أنت أم مطرود؟ أترى مواصل أنت أم مهجور؟ أترى تركب النجب1 غدا أم أنت على وجهك مجرور؟ أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب النعيم والقصور. فاز، والله، المخفون، وخسر هنالك المبطلون، إلا إلى الله تصير الأمور. بحر الدموع 39.

روى ابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 240 ) بسنده عن أبي حامد الخلقاني أنه قال : قلت لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله هذه القصائد الرقاق التي في ذكر الجنة والنار أي شيء تقول فيها ؟ فقال : مثل أي شيء ؟ قلت : يقولون :

إذا ما قال لي ربي *** أما استحييت تعصيني ؟
وتخفي الذنب من خلقي *** وبالعصيان تأتيني
فما قولى له لما * * * يعاتبنى ويقصينى ؟

فقال : أعد علي فأعدت عليه فقام ودخل بيته ورد الباب فسمعت نحيبه من داخل البيت.
في الحديث القدسي: \” أحب ثلاثة وحُبِّي لثلاثة أشدُّ : أحب الفقير المتواضع، وحُبِّي للغني المتواضع أشد ,وأحب الغنيِّ الكريم وحُبِّي للفقير الكريم أشدّ، وأحب الشيخ الطائع وحبي للشاب الطائع أشدُّ .
وأكره ثلاثة وكُرْهي لثلاثة أشد: أكره الغني المتكبر، وكُرْهي للفقير المتكبر أشدّ، وأكره الفقير البخيل، وكُرْهي للغني البخيل أشد، وأكره الشاب العاصي وكرهي للشيخ العاصي أشد \”.
فهل يا ترى يعود الحال بشبابنا إلى قول القائل فيهم :

عباد ليل إذا جن الظلام بهم * * * كم عابدٍ دمعُه في الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم* * * هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرًا* * * يشيدون لنا مجدًا أضعناه

اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن وحل بيننا وبين معاصيك ، اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان وقوي إيماننا بمخافتك والحياء منك. اللهم إنا نعوذ بك من قلب لايخشع وعين لا تدمع ولسانٍ لا يذكر ونفسٍ لا تشبع. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

التربية بالقدوة الحسنة

السبت, 27 تشرين2/نوفمبر 2010 09:02 تاريخ آخر تحديث: الأربعاء, 13 تموز/يوليو 2011 15:24 الكاتب: محمد حاج عيسى الجزائري

المبحث السادس : القدوة الحسنة

من أساليب التربية الإسلامية التي دل عليها القرآن والسنة القدوة الحسنة، وهو أسلوب مهم جدا وخطير في الوقت نفسه، لأنه يعني إيصال الخلق الحسن عن طريق السلوك الإيجابي، فإن كان السلوك سلبيا انقلبت القدوة إلى قدوة سيئة، لذلك وجب على المربي أن يراقب سلوكه وأقواله وأفعاله التي يقوم بها أمام الأولاد، كما عليه أن يهتم بتهذيب الوسط الذي يتربى فيه الأولاد لأنه كما يقتدون به يقتدون بغيره.

أدلة أهمية اعتماد هذا الأسلوب
من الأدلة التي تبين أهمية أسلوب القدوة قوله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)، فالآية الكريمة بينت لنا المثال الأول الذي ينبغي أن نقتدي به وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه ولا شك كما كان هاديا بقوله كان أيضا هاديا بفعله، فنبغي على المسلم أن يقتدي به في أمر العبادة وقد قال صلى الله عليه وسلم:« صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»([1])، وعليه أن يقتدي به في سلوكه وأخلاقه، وقد قال له عز وجل : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).

ومن الأدلة المرشدة إلى أهمية هذه الوسيلة وخطورتها قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:2-3) فإن من حِكَم النهي عن أن يخالف القول العمل إعطاء القدوة الحسنة واجتناب القدوة السيئة، وكذلك لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:« اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا»([2])، رمى إلى مقاصد أظهرها أن يقتدي الأولاد الصغار الذين لا يؤتى بهم إلى المسجد بآبائهم. وكذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:« مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ تَعَالَ هَاكَ ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كَذْبَةٌ»([3])، فقد عنى بالنهي أشياء منها التحذير من القدوة السيئة.

ولأهمية موضوع الاقتداء فقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم من هم أولى أن يقتدى به بعده فذكر خلفاءه وأفضل أصحابه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. صلى الله عليه وسلم :« اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»([4]).

آثار سلوك المربي في التربية
وقد جاء في السنة النبوية ما بين تأثير القدوة في السلوك ، ومن ذلك قصة ابن عباس رضي الله عنهما لما قام الليل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ([5])، فهذا ابن عباس وهو غلام بمجرد أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وقام للصلاة قام هو أيضا من غير أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء وتوضأ وصلى معه ، وفي قوله:” فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ” تأكيد على قضية الاقتداء.

قد روى لنا جرير بن عبد الله رضي الله عنه قصة فيها توقيعٌ نبوي على صحة وأهمية هذا الأسلوب وترغيبٌ فيه ليس بعده ترغيب ، ذلك أن ممن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من مضر، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم ما بهم من فاقة فخطب في الناس بعد صلاة من الصلوات وقرأ قوله تعالى : (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) (الحشر:18) ثم قال :« تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ جرير فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»([6]).

دواعي الاقتداء
إن الإقتداء في الإنسان فطرة وجبلة، غذ إنه يولد جاهلا لا يعلم شيئا ثم يشرع في تعلُّم ما يراه وما يسمعه شيئا فشيئا، ومثله كمثل الأرض العطشى التي تريد الري، لذلك نجد الطفل يراقب سلوك الكبار ويكتشف ويقتدي بعد ذلك مباشرة، ومنه يعلم أن الإقتداء هو الطريق الأول والسابق للتلقي، ويؤكد ذلك سلوك الطفل الصغير حين يشرع في التكلم، فهو يكرِّر من الكلام ما يسمع سواء فهمه أو لم يفهمه، ويقلد والديه أو من يكبره من إخوته في أفعالهم وحركاتهم، وإذا مثلنا للإقتداء بالصغار جدا فلظهوره فيهم لا لأنه خاص بهم وإلا فهو عام للكبار أيضا، وقد قال العلماء منذ القديم:« إن الطبع لص »، وفرَّعوا على ذلك أن مجرَّد المخالطة داعية إلى الاقتداء ولو من غير قصد أو شعور.

وإن من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها: أن يتأثروا بالمحاكاة والقدوة، أكثر مما يتأثرون بالقراءة والسماع، ولاسيما في الأمور العملية، وهذا التأثير فطري لا شعوري في كثير من الأحيان ثم إنه ثمة دواع تقوي دافع الاقتداء في الناس لا بد من التنبه لها .

1-منها المحبة، وقد قال الله تعالى في آية الامتحان : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31).

2-ومنها اعتقاد الكمال والأفضلية في الشخص المقلَّد .

3-ومنها القهر والغلبة، وهذا قرره واضع علم الاجتماع ابن خلدون وجعله قاعدة مطردة بين الدول الغالبة والمغلوبة -والتاريخ والواقع يصدقانه-، وصدق هذا لا يختص بالدول والشعوب بل يتعدى إلى الأفراد.

4-ومنها الغبطة بمعنى المنافسة في الخير، وإلى هذا السبب جاءت الإشارة في حديث جرير السابق.

وهذه الدواعي كلها موجودة بين المتعلم ومعلمه أو الولد ووالده وإن كان أرجحها وأقواها هو الأول والثاني أي دافع المحبة واعتقاد الكمال والأفضلية.

“إذ يعتقد الطفل وخاصة في سنواته الأولى أن كل ما يفعله الكبار صحيح وأن آباءهم أكمل الناس وأفضلهم فهم يقلدونهم ويقتدون بهم، ويبدأ عند الطفل عادة منذ السنة الثانية تقريبا ويبلغ التقليد غايته في سن الخامسة أو السادسة ويستمر معتدلا حتى الطفولة المتأخرة”([7]).

منزلة التربية بالقدوة
إن أسلوب التربية بالقدوة قد يكون أسلوبا أصليا مستقلا بذاته في إيصال كثير من الأخلاق ، وقد يكون مكملا للوسائل الأخرى ومؤيدا لها، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالإفطار في رمضان يوم الفتح فتردد بعض الناس، فدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ([8])، فجمع بين القول والفعل، والجمع بين الأمرين مهم جدا، فهل يصلح يا ترى أن يأمر الوالد ابنه بالصلاة وهو يراه يتهاون في شأنها ويؤخرها عن وقتها، أو أن ينهاه عن التدخين وهو يراه ملازما له، وهل ينفع أن يأمره بالصدق وهو يراه يكذب، فلا بد للمربي إذا أمر بفضيلة أن يكون سباقا إلى التحلي بها وإذا نهى عن رذيلة فلا بد أن يحذر من اقترافها.

والمرة واحدة من القدوة السيئة تكفي، لتقضي على الخلق الحسن والفضيلة ، فلو أن الطفل رأى أمه تكذب على أبيه، وأباه يكذب على أمه، أو أحدهما يكذب على الجيران مرة واحدة فذلك يكفي لتحطيم قيمة الصدق في نفسه، ولو تليت عليه المواعظ ليلا ونهارا في فضيلة الصدق.

إن التربية بالقدوة قد تكون أبلغ من التعليم والترغيب والترهيب وغيرها من الوسائل ، لأن الأخذ بالشيء عمليًا والتمسك به أكثر إقناعًا للمتعلم من الحديث عنه والثناء عليه، فمجرد العمل بالخير، يحصل قناعة عند الولد بصلاحية هذا الخير، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس، وقد أكد على هذا علماء الإسلام منذ القديم ونقلوا وصية عمرو بن عتبة لمؤدب أولاده: «ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت»([9]).

فالطفل ابتداء من السنة السادسة من عمره تقريبا يمكن أن يحدد مدى التزام أهله ومعلميه بالتوجيهات التي يأمرونه بها، فالتلقين لا يثمر مع الولد وإن استعملت معه جميع أنواع ووسائل التربية إن لم توجد القدوة الصالحة التي تكون بمثابة ترجمة عملية للمعاني المجردة([10]).

صفات القدوة الحسنة
وبعد كل هذا أيها المربي يجب عليك أن تكون قدوة حسنة ، بأن تكون صالحا ومتخلقا يوافق قولك عملك، أن تكون صالحا بالإيمان الصحيح والدوام على العبادة وإخلاص العمل لله تعالى، وأن تكون متخلقا وأبواب حسن الخلق واسعة وأهمها الحلم وترك الغضب، الرفق والأناة، الرحمة والصبر، والصدق في الكلام والتواضع، وأهم المهم موافقة القول للعمل، فلا تنهى عن شيء ثم تأتيه، وتذكر أيها المربي قول النبي صلى الله عليه وسلم:« يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ»([11]).

من شرط المعلم أن يكون قدوة

والكلام عن المربي القدوة لا ينحصر في الوالدين بل يتعدى إلى المعلمين في مختلف مراحل التعليم ، وقد نص علماؤنا على أن من شرط المعلم أن يكون قدوة حسنة لغيره بسلوكه وبأن يوافق قوله وعمله، واستدلوا على ذلك بأن الله تعالى لم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم معلما وهاديا حتى أعدَّه لذلك، فكان قدوة في أخلاقه قبل البعثة إذ عرف بالصادق الأمين وكذلك كان بعدها إذ كان خلقه القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها.

والرسول صلى الله عليه وسلم أيضا لما بعث البعوث واستناب من استناب راعى في مبعوثيه ونوابه إضافة إلى العلم أمورا أخرى تجعل قولهم مقبولا وخبرهم مصدقا عند من أرسل إليهم، قال الشافعي :« ولم يكن رسول الله ليبعث واحدا إلا والحجة قائمة بخبره على من بعثه إليه إن شاء الله »([12]).

لذلك رأيت أن أخص المعلمين بهذه التذكرة في باب القدوة، وأول ما ننقلهم هذه النصيحة من العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي في مرشدة المعلمين إذ يقول مخاطبا المعلمين :«كونوا لتلاميذكم قدوة صالحة في الأعمال والأحوال والأقوال ، لا يرون منكم إلا الصالح من الأعمال والأحوال ولا يسمعون منكم إلا الصادق من الأقوال ، وإن الكذب في الأحوال أضر على صاحبه وعلى الأمة به من الكذب في الأقوال، فالأقوال الكاذبة قد يحترز منها وأما الأحوال الكاذبة فلا يمكن منها الاحتراز»([13]).

وبعد هذه الوصية النافعة نذكر ملخصا مما ورد في كتاب “أدب الإملاء والاستملاء” للإمام عبد الكريم بن محمد السمعاني المتوفى (562هـ) من آداب المعلمين ، وقد جعلها المصنف رحمه الله قسمين، الأول في الآداب الشكلية ( قواعد وتنظيمات). والثاني في قواعد التدريس (أو المنهج ).

والذي يتعلق بالقدوة هو القسم الأول وهو يتضمن عدة نقط منها:

1-المظهر الخارجي للأستاذ من حسن الهندام أو المظهر اللائق، فاستحب أن يكون حال التدريس على أكمل هيئة وأفضل زينة، وذكر أشياء ترجع إلى النظافة كالسواك وتقليم الأظافر وغيرها من الأمور التي فصل ذكرها.

2-ومنها طريقه إلى التدريس، فذكر أنه من واجبه أن يقتصد في مشيه وأن يبتدئ بالسلام لمن لقيه من المسلمين، بل ويُطلب منه أن يعم السلام كافة المسلمين حتى الصبيان البالغين ، فذلك أفضل له ولسمعته، وذاك مما يزيد في مقامه ويُعِدُّ الناس للإقتداء به.

3-وذكر قواعد الدخول ووضعية الجلوس ، فإذا وصل إلى المجلس فليمنع من كان جالسا من القيام له لأن الفرح بذلك من آفات النفس، وأيد ذلك بحديثين ثابتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يوصي ابن السمعاني المعلم بأن يصلي ركعتين قبل جلوسه وأن يجلس لدرسه وعليه الحشمة والوقار .

4-وذكر قواعد في التعامل مع الطلبة ، منها أن يستعمل لطيف الخطاب مع التلاميذ فيتجنب النهر أو الاستصغار، كما عليه أن يعين مواعيد الدرس وأن يكون أول من يلتزم بالحضور ([14]).

وقد ذكر ابن السمعاني أشياء أخرى تعليمنا اليوم قد ابتعد عنها بعد السماء عن الأرض، فلم أر كبير فائدة في ذكرها، إذ كل ما أقصده بهذا التلخيص بيان ضرورة أن يكون المعلم ذا أخلاق حسنة صالحا وأن يكون قدوة لغيره، ثم الدلالة إلى أن علماء الإسلام قد اهتموا منذ القديم بالمسائل التربوية وطرق التعليم ومناهجه([15]).

نصيحة عزيزة للمعلمين

ونختم هذا الحديث بهذه الوصية الجامعة من الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله إذ قال: «أعيذكم بالله يا أبنائي المعلمين أن تجعلوا كل اعتمادكم في تربية الصغار على البرامج والكتب ، فإن النظم الآلية لا تبني عالما ولا تكون أمة ولا تجدد حياة، وإنما هي ضوابط وأعلام ترشد إلى الغاية وتعين على الوصول إليها من طريق قاصد وعلى نهج سوي ، أما العمدة الحقيقية في الوصول إلى الغاية من التربية فهي ما يفيض من نفوسكم على نفوس تلاميذكم الناشئين من أخلاق طاهرة قويمة يحتذونكم فيها ويقتبسونها منكم ، وما تبثونه في أرواحهم من قوة وعزم، وفي أفكارهم من إصابة وتسديد وفي نزاعاتهم من إصلاح وتقويم وفي ألسنتهم من إفصاح وإبانة، وكل هذا مما لا تغني فيه البرامج غناء ، ولو كانت البرامج تكفي في التربية لكان كل عالم مربيا ولكن الواقع خلاف هذا»([16]).

واقـع مؤلـم

إن واقع المسلمين اليوم يدعونا إلى البكاء والنحيب سواء في البيوت أو المدارس، فأما البيوت فقد نجد بعض العذر للأولياء من جهة فشو الجهل فيهم، ولكن أين عذر المعلمين (ولا أقصد كل المعلمين طبعا) وإننا نسمع كل مرة التساؤل عن أسباب فشل المدرسة، رغم أن الأمور عند المنصفين واضحة بينة، وإنه كلما أراد المصلحون القيام بخطوة نحو التعديل الإيجابي، تتدخل الأيادي الأثيمة بالتعليلات الباطلة والتأويلات المفضوحة بغية تمرير المشاريع التغريبية وضرب دين الإسلام ولغة القرآن، والمتأمل في الواقع قد يهتدي إلى أن من أهم أسباب الفشل الحقيقية ، ليست اللغة العربية أو مادة التربية الإسلامية، وإنما هم المعلمون ولا أتحدث في هذا الموضع عن المستوى العلمي أو الشعور بحجم الرسالة التي يتحملها المعلم، ولكن أتكلم عن الأخلاق والسلوك، إذ كيف يتعلم التلميذ ممن يراها كاسية عارية؟! كيف يتعلم ممن جعلت بتصرفاتها عرضها هدفا لكل قائل؟! كيف يتعلم التلميذ من أستاذ إذا غضب شتم وتلفظ بقبيح الكلام وربما سب دين الله تعالى؟! بل كيف يتعلم وماذا يتعلم من معلم مهمل مضيع للوقت مكثر من الكلام فيما لا ينفع، ويشاهد التلاميذ كل يوم مظاهر الانحراف في سلوكه؟! ولا أحب الاستطراد في وصف هذه الحال، ففيما ذكرت دليل على ما وراءه، وبناء على ما ذُكِر فإن من أول خطوات إصلاح قطاع التربية تطهير القطاع من أمثال من وصفت لا تسليمهم مقاليد الأمور وتكليفهم بالإصلاح وإعطاء الحلول!!!

[1]/ رواه البخاري (631).

[2]/ رواه البخاري (432) ومسلم (777).

[3]/ رواه أحمد (15/520) وصححه شعيب الأرناؤوط على شرط الشيخين.

[4]/ رواه الترمذي (3662) وصححه ابن حبان (6902) والألباني .

[5]/ رواه البخاري (138) ومسلم (763) واللفظ للبخاري.

[6]/ رواه مسلم (1017).

[7]/ مسؤولية الأب المسلم لعدنان حسن صالح (65).

[8]/ رواه مسلم (1114).

[9]/ مسؤولية الأب المسلم لعدنان حسن صالح (66).

[10]/ مسؤولية الأب المسلم لعدنان حسن صالح (67).

[11]/ رواه البخاري (3267) مسلم (2989).

[12]/ الرسالة للشافعي (415).

[13]/ الآثار (2/115).

[14]/ ملخص من دراسة الأستاذ شفيق زيعور في المنهج التربوي عند ابن السمعاني (22-26).

[15]/ ومن تلك المؤلفات النافعة في هذا الباب كتاب وتذكرة العالم والمتعلم لابن جماعة (723هـ) وقد جعل فصلا في أدب المعلم مع طلبته وقسمه إلى أربعة عشر نوعًا، ومنها أيضا رسالة آداب المعلمين لابن سحنون، والرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين لأبي الحسن القابسي ، والجامع لآداب الشيخ وأخلاق السامع للخطيب البغدادي.

[16]/ الآثار (2/111).

نموذج التميز بين التربية الإسلامية و الغربية

نموذج التميز بين التربية الإسلامية و الغربية

د.ليلى البيومي  | 20/7/1427 هـ

إذا كان هناك اتفاق كامل بين غالبية علماء المسلمين والمنصفين من علماء الغرب على أن علوما طبيعية كثيرة ، قامت وتأسست على إسهامات العلماء المسلمين المتميزين، فالأكثر تأكيداً بين العلماء المنصفين أيضاً أن علم التربية هو علم إسلامي خالص بذل فيه العلماء المسلمون الأفذاذ أمثال كثير من التابعين الأوائل , ومن جاء بعدهم من تابعيهم , ثم الذين دونوا في هذا العلم أمثال : الغزالي والماوردي وابن القيم وغيرهم جهوداً جبارة في تأسيسه وتطويره.
فمنهج التربية الإسلامية يتميز عن غيره من المناهج التربوية القديمة والحديثة بشموله لمختلف أبعاد حياة الإنسان الدينية والدنيوية، وعنايته الكاملة بجميع جوانب النفس البشرية، في تكامل وتوازن غير مسبوقين.

فالتربية اليونانية مثلاً قد اهتمت اهتماماً بالغاً بالجانب العقلي للإنسان في الوقت الذي أهملت فيه بقية الجوانب الأخرى، في حين أن التربية الرومانية ركزت اهتمامها على الجانب الجسمي مقابل إهمال غيره من الجوانب. أما التربية المسيحية فقد عنيت كثيراً بالجانب الروحي للإنسان على حساب غيره من الجوانب الأخرى … وهكذا.

أما التربية الإسلامية فقد كانت مختلفة عن هذه المناهج كلها، حيث تميز منهجها التربوي بشموله لحياة الإنسان كلها، وعنايته بجميع جوانب النفس البشرية المتمثلة في الأبعاد الرئيسة الثلاثة (الروح، والعقل، والجسم) دونما إهمال أو مبالغة في حق أحد منها على حساب الآخر. والتربية الإسلامية مع شمولها تسعى إلى تحقيق التوازن المطلوب بينها دونما إفراط أو تفريط، ودون أن يتعدى جانب على آخر.

والنظريات الغربية كلها تتفق في كونها صادرة عن مصدر وحيد في المعرفة هو العقل البشري، كما أنها صادرة عن تصور واحد للكون والإنسان والحياة، كما أن هذه النظريات ضيقة الأفق وأحادية النظرة بشكل أو آخر.

فالمذهب التربوي المثالي هو صدى للفلسفة الأفلاطونية حيث يقول أفلاطون بعالمين: العالم المحسوس الذي يتألف من الأجسام أو الماديات، والعالم المعقول الذي يتكون من الموجودات المجردة.
فتلك النظرية تنطلق أساساً من الاهتمام الكامل بالروح والسعي لنجاتها على حساب المادة، وينتج عنها بالطبع إهمال مشكلات الإنسان على الأرض وفي عالم الواقع.
والمذهب المثالي في التربية الغربية مؤداه أن ثمة عالمين اثنين: عالماً حسياً يتألف وبالتالي فهناك اختلاف وتناقض بين عالم “الأجسام”، وعالم “المثل”. وبناء على ذلك فإن الإنسان يعيش في عالمين: عالم مادي متغير، وعالم روحاني خالد، وهذا الأخير هو عالم المثل العليا التي تشكل الهدف الأسمى للتربية والحياة. وهكذا رأى الغربيون في الإنسان جانبيْن: جانباً روحياً سامياً، وجانباً جسدياً تحكمه النوازع الدنيا والشهوات، وهذان الجانبان كالخطين المتوازيين يتجاوران ولا يلتقيان، ويتناقضان ولا يتكاملان، وهو ما أدى إلى قيام سلطتين في بلاد الغرب: سلطة روحية تشرف عليها الكنيسة، وسلطة زمنية قوامها حكم الواقع مفصولاً عن الدين.

أما المذهب الطبيعي، فإنه على العكس من المذهب المثالي، يركز على الجسد وما به من عواطف وغرائز وميول، فيعطيها الأهمية القصوى على حساب العقل.
المذهب الطبيعي في الفلسفة الغربية للتربية ينطلق من أن التربية القويمة لا تتحقق إلا بإطلاق الحرية التامة للأطفال، وأن من مقتضيات الحرية أن يكون التعليم مختلطاً، وأن يسمح بالرقص والسباحة والتعري ومناقشة مسائل الجنس بلا تحفظ، أما المشكلات الجنسية فترجع أسبابها ـ طبقاً لهذا المذهب ـ إلى رغبة الآباء الذين يريدون حمل أبنائهم على مبادئ الدين وقواعد الأخلاق! ويرون أن تكون تربية الطفل بين سن الخامسة والثالثة عشرة سلبية، لا يُعلَّم فيها الطفل شيئاً ولا يربى خلالها أي تربية، بل يترك للطبيعة، محاطاً بأجهزة وأدوات مـن شأنها أن توسع مداركه.

أما المذهب البرجماتي، فيصرف النظر بعيداً عن الأشياء الأولية والمبادئ والقوانين والحتميات المسلّم بها، ويهتم بالأشياء الأخيرة، أي الثمرات، والنتائج، والآثار، ومركـز الثقـل فـي اهتمامـه لا ينصبّ على الحقائق الثابتة، وإنما على ما يحصله الإنسان من منافع يستثمرها في حياته العلمية حتى إنه ينظر إلى الحقيقة على أنها هي المنفعة. وهكذا فإن المذهب النفعي الذرائعي المعروف باسم البراجماتية هو ذو صبغة عملية تجريبية لا يبدو فيها أي أثر للقيم أو الأخلاق. وهو الذي أسس لما يعرفه الناس الآن أن (الذي تغلب به العب به). وهي أسس لا تقيم مبادئ ولا تعلم أخلاقاً وقيماً، وإنما تنتج مجموعة من الأنانيين الذين لا يهمهم إلا تحقيق أكبر قدر من المصالح ولو على حساب الآخرين.

وهكذا تركز هذه المذاهب على بعد واحد من أبعاد الكيان الإنساني على حساب الأبعاد الأخرى، أما التصور الإسلامي في التربية فقد تجاوز ذلك التخبط الذي ظل يلاحق النظريات الغربية، لأنه ينطلق من أسس وأصول محكمة وفهم شامل حول الكون والإنسان والمجتمع بني على وحي ممن خلق الإنسان ويعلم حقيقته وجوهره، وهو يتعامل مع الإنسان على بصيرة، بمكوناته كلها، دون إغفال إحداها لصالح الأخرى،لأن مطبقيه يعلمون أن ذلك الإغفال هو مدخل الخلل في الكيان البشري وانعدام التوازن فيه، وبالتالي إفلات الزمام تماماً من قبضة المربين الذين يتولون تنشئة الإنسان، وتعرّض هذا الأخير للدمار والانتكاس.

تعدد الوسائل والتأثير

ووسائل التربية الإسلامية كثيرة ومتعددة، فهناك التربية بالموعظة، حيث تتأثر النفس الإنسانية بالكلام الموجه إليها، إلا أن هذا التأثر يتفاوت بين القبول والرفض، حسب طريقة الكلام أو الوعظ الموجه إليها، ولذلك فالواعظ يجب أن يتمتع بصفات تساعده على التأثير: من لباقة في اللسان، ووجه ضاحك هادئ يوحي بالصفاء والارتياح.

وهناك التربية بالقدوة، فالناشئ الصغير ينبهر بنجوم المجتمع حوله ويحاول أن يقلدهم ويتخذهم مثلاً عليا. ولكن هناك من المجتمعات من تكون قدوته عالية الهمة، وذات فائدة وقيمة في مجتمعها مثل العلماء والقادة العسكريين، وكثير من المجتمعات تتدنى فيها القدوة لتصبح الراقصات والمغنيات ولاعبي الكرة.
وقد أجمع المربون المسلمون على أن شخصية الرسول _صلى الله عليه وسلّم_ هي القدوة التي تمثلها المسلمون على اختلاف العصور.

وهناك التربية بالعقوبة، ولكن لا يلجأ المربون إلى هذه الوسيلة إلا بعد استنفاذ الوسائل الأخرى مثل الموعظة الحسنة والصبر الطويل.
ولكن يجب أن يتدرج العقاب حسب وضع الطفل واستجابته، فقد يلجأ المربي إلى حرمان الطفل من شيء يحبه أو قد يعاقبه بوضعه في غرفة خالية دون أن يكلم أحداً، أو يحرمه من نزهة… الخ.

ويوجد أيضاً التربية بالقصة، حيث إن تأثير القصص عظيم في الصغار والكبار، فالصغير عند سماعه لقصة جميلة ينتبه إليها ويفهم كل ما فيها وما ترمي إليه. والإسلام يدرك هذا الميل الفطري للقصة ويدرك ما لها من تأثير ساحر على القلوب فيستغلها لتكون وسيلة من وسائل التربية والتقويم. ولذلك استخدم القرآن أسلوب القصص في تعليم المسلمين وتقريب المعاني والأهداف والغايات لأذهانهم.

ويوجد أيضاً التربية بملء الفراغ، فالإسلام حريص على الوقت ويوجه المسلمين إلى استغلال وقت فراغهم فيما يفيدهم ويفيد مجتمعهم وأمتهم، وأول الأولويات للمسلم هي الفرائض والواجبات الواجبة عليه أولاً كالعبادات والتحصيل العلمي أو السعي لاكتساب المعاش وإذا شعر بفراغ عليه بالقراءة أو الرياضة أو الصحبة البريئة أو شغل الوقت بما ينفعه وينفع الناس.

وهناك التربية بالعبرة، أي ما يستخلصه الإنسان بنفسه من دروس يتعلمها من أحداث الحياة، وغالباً ما تكون هذه الأحداث قاسية عليه، وعلى المربي أن يستغل هذه الدروس والأحداث لتربية النفوس وتهذيبها، لأن الإنسان في مثل هذه الظروف الصعبة يقبل التوجيه، ولا يستنكف من التعلم مهما كان متقدماً في العمر.

المعلم والتلميذ في الفكر الإسلامي
لقد عني علماء الإسلام بالكتابة عن العالم والمتعلم أو المعلم والتلميذ وما لهما من حقوق وما عليهما من واجبات، وكتبوا كثيراً عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل منهما. وقد حظي المعلم بالتقديس والتبجيل, وجعله في منزلة تلي منزلة الأنبياء.
ووضع علماء الإسلام للمعلم آداباً وشروطاً منها: الشفقة على المتعلمين، وأن يكون تعليمهم دون مقابل، وأن لا يدخر المعلم في نصح المتعلم شيئاً، وضرورة أن يزجر المعلم المتعلم عن سوء الخلق بطريقة التعريض ما أمكن، وألا يفرض على الطالب اتجاه المعلم وميله، وأن يتعامل مع المتعلم على قدر فهمه، وأن يكون المعلم عاملاً بعلمه.
ووضعوا أيضاً مواصفات للمتعلم منها: تقديم مهارة النفس على رذائل الأخلاق ومذموم الصفات، والتقليل ما أمكن من الاشتغال بالدنيا، وألا يتكبر على المعلم ولا يتأخر على العلم، وعلى المبتدئ ألا يخوض أو يصغي إلى اختلاف الناس، كما أن على طالب العلم ألا يدع فناً من العلوم المحمودة ولا نوعاً من أنواعها إلا وينظر فيه، وعليه ألا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله، وأن يعرف السبب الذي به يدرك أشرف العلوم، وأن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة، وأن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد.

تكامل في النظرية والتطبيق

إن مصدري التصورات الإسلامية هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة , وهما الإلهام الأعظم للحضارة الإسلامية، وقد كان التكامل في نظرية المعرفة الإسلامية ذا أثر كبير وواضح في حركة الفلسفة ونتاج العلماء المسلمين على مر العصور.
وتمتلك التربية الإسلامية منهجاً كاملا للحياة والنظام التعليمي ومكوناته لأنها تضم مناحي الإنسان جميعاً, ولا تؤثر ناحية على ناحية أخرى, أو جانب على جانب مما يدخل تحت مفهوم الإنسان.
وهي تتناول الحياة الدنيا والحياة الآخرة على قدم المساواة, ولا تهتم بواحدة منها على حساب الأخرى.
وهي تعنى بالإنسان في كل مرافق حياته, وتنمي لديه العلاقات التي تربطه بالآخرين, ولا تقتصر على علاقة واحدة أو جانب واحد فقط بل تهتم بالعلاقات كلها وتؤكدها وهذا يحقق التكامل والتوازن في الشخصية.
وهي أيضاً مستمرة تبدأ منذ أن يتكون الإنسان في بطن أمه إلى أن تنتهي حياته على الأرض، ثم تشمل ألوانا من التربية المقصودة وغير المقصودة و وتعليما ذاتياً, وتشارك في بناء شخصية الإنسان فمؤسسات المجتمع جميعا تقوم على التربية, وبوظيفة التربية وكل أفراد المجتمع يؤدون الأثر نفسه, منهم إما معلمون أو متعلمون فالحياة كلها تربي الإنسان، وليس المعلم وحده هو المربي، ولا في المدرسة وحدها يتربى الإنسان.

فلسفة متوازنة ومتعددة الجوانب

والخبرة الإسلامية في مجال التربية متعددة الجوانب والمجالات، فهي من ناحية تسعى إلى معالجة الأفراد معالجة نفسية، وإعدادهم ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمعهم، عن طريق غرس روح الثقة والاطمئنان والأمان والهدوء والراحة النفسية عند الإنسان، خاصّة عندما يعده بالأجر والثواب والمغفرة وقبول التوبة والجنّة.
وعن طريق هذا المنهج يستطيع الأبوان والمربون أن يحرروا الأجيال الجديدة من تأثيرات الخوف والاضطراب والقلق والشعور بالدناءة والضعة، وكل ما يؤدّي إلى سحق شخصيّاتهم وانهيارهم النفسي، ليخرجوا إلى المجتمع الإسلامي صحيحين سالمين، وذو شخصيات قادرة على أداء دورها المسؤول والنافع بأفضل صورة ممكنة.
إن فلسفة الإسلام في هذا المجال تقوم على أن تربية الإنسان المتوازنة نفسيّاً وأخلاقيّاً وسلوكيّاً لها أثرها الكبير على استقرار شخصيّته، وسلامتها من الأمراض النفسية، والعقد الاجتماعية والحالات العصبية الخطيرة، وحالات القلق والخوف التي كثيراً ما تولّد لديه السلوك العدواني، فينشأ فرداً مجرماً خبيثاً مضرّاً فاسداً في المجتمع.

ومن ناحية ثانية تخاطب الإنسان على أساس أن قيمة كل امرئ وقدره معرفته، وأن الله_سبحانه_ يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا، وعلى أن الإنسان مخلوق عاقل مفكر، يستطيع أن يدرك الأشياء ويتعلمها بوعي، ويمكنه الاكتساب وتعلم المعارف والعلوم بواسطة إدراكه لعالم الطبيعة عن طريق تأمله في الكون وفيما خلق الله _عز وجل_.

ومن ناحية ثالثة تنطلق من أنه بقدر ما يقترن كمال الإنسان وسعادته بحسن خلقه وأدبه، يقترن انحطاطه وشقاؤه بسوء خلقه وغلظة تعامله، فهناك رابطة وعلاقة وطيدة بين تكوين الإنسان الداخلي وبين السعادة أو الشقاء اللذين يكتنفانه.

ومن ناحية رابعة يحث الإسلام المسلمين ويشجعهم على تكوين الروابط الاجتماعية البناءة، وجعل لها أساليب وممارسات تؤدي إلى الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع الإسلامي، كآداب التحية والسلام والمصافحة بين المؤمنين، وتبادل الزيارات، وعيادة المرضى، والمشاركة في تبادل التهاني في الأعياد والمناسبات الدينية والاجتماعية، والاهتمام بالجار، وتسلية أهل المصائب والشدائد ومشاركتهم في عزائهم لو مات منهم أحد، وغيرها كثير.

كلمة أخيرة

إن إقامة بناء التربية الحديثة على أسس إلحادية أو علمانية قد أفسد التربية والمجتمع جميعاً؛ فالتربية لا يمكن أن تكون صالحة ومصلحة إلا في إطار غايتها العظمى وهي تحقيق العبودية لله تعالى، بينما التربية النفعية التي أقام الغرب أصولها قد شوشت على الناس إدراك معاني الخير والحق.

كما أن العلاقة بين التربية الغربية من جهة وبين الفلسفة وعلم النفس من جهة أخرى قد أورثتها كثيراً من الخلل والتناقض والاضطراب، وأكدت القطيعة بينها وبين الدين، بل جعلتها عدوة للدين تحاربه بسبب أو بدون سبب، ونسفت أساساً عظيماً من أسس التربية الصحيحة وهو أساس التعليم بالقدوة.

وختاماً، وبناءً على ما أسلفنا، فإن التربية الغريبة لم تفلح في إعداد الإنسان السوي، وإلا فما هو تفسير الحروب والدمار والأنانية وحب الذات والضياع الذي يعيشه الإنسان الغربي؟ الإنسان الذي قتل نفسه وغيره بسلاح المادة، وماذا قدمت الحضارة الغربية للطفولة؟ إنها طالبت بتحديد النسل، وتقليل عدد الأطفال الشرعيين، مقابل زيادة مطردة في الأطفال اللقطاء، واهتمت بمأكل وملبس وألعاب الطفل مقابل سلبه لحنان والديه وخروج، أعطته الدنيا وعلقته بها، وسلبته التفكير بالآخرة ونعيمها.

 

 

 

دوي الليالي الرمضانية

دوي الليالي الرمضانية

ابراهيم السكران

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله وبعد،،
من الذكريات التي تنتاب خاطري بشكل عشوائي صورة تتراءى لي كثيراً من أحد مساءات رمضان.. فمن المشاهد في ليالي رمضان، وخصوصاً في هذا العِقد الأخير، أن المساجد صارت تتفاوت كثيراً في توقيت صلوات التراويح والتهجد بحسب ما يرتاح له أهل كل حي ويتوافقون عليه.. ولذلك فكثيراً ما تكون في منزلك قد انتهيت من الصلاة بينما تسمع بعض المساجد المجاورة لا زالوا في جوف صلاتهم .. وهذا ما وقع لي ذات ليلةٍ تكاد ذكراها تتهدج في نفسي..

كنت في غرفتي الخاصة أعِدّ بعض الأوراق، وأمامي طبق أتت به الوالدة مما تبقى من معجنات الإفطار ودسته فوق مكتبي بلطف حتى أتناوله دون مفاوضات، يارزقني الله وإخواني القراء بر والدينا أحياءً وأمواتاً، وفي ثنايا انهماكي في هذه المهام .. تسرب من خلال النافذة صوت مسجد الشيخ القارئ خالد الشارخ، وهو مسجد تتلبد عليه وفود الشباب والفتيان من الأحياء المجاورة في شرق الرياض.. توقفت عن العمل .. وفتحت النافذة وكانت ليلة عليلة .. وكادت أذني أن تنخلع تجاه مصدر الصوت .. أظنها كانت آيات من سورة المائدة إن لم أكن واهماً .. والله إنني أكاد ألمس السكينة تتطامن فوق كل ذرةٍ حولي.. شعرت أن الهواء ليس كالهواء.. وأن السماء ليست السماء.. هناك شئٌ ما أفلست قواميس الدنيا أن تمدني بعبارة أصف بها ذلك الإحساس..
رباه .. أي شئ يفعله القرآن يا إلهي في النفوس البشرية ..

ومما يعبُر في بحر هذه الذكرى أنني أتذكر وأنا صغير أن أحد قريباتي المسنّات كانت إذا عادت من صلاة التراويح اتجهت إلى التلفاز تشاهد نقل صلاة التراويح من المسجد الحرام.. ولا أحصي كم شهدت دمعاتها تتلامع في محاجرها حين تتسمر أمام تلك الصفوف المهيبة المطرقة حول كعبة الله المشرفة والقرآن تتجاوب به منارات الحرم وسواريه..

هذه الأيام التي لا يفصلنا فيها عن رمضان إلا مسيرة ثلاثة أيام، يكثر فيها تبادل التهاني والدعوات، بلغنا الله وإياك رمضان، وفقنا الله وإياك لصيام رمضان وقيامه، أحببت أن أبارك لك قدوم الشهر الكريم، الخ .. حين رأيت بعض هذه التهاني دار في بالي أن أنظر كيف عرض الله لنا (رمضان) ؟ في أي إطار وضع الله (شهر رمضان) ؟ أو بمعنى آخر: ما هي (هوية رمضان) بحسب الصورة التي يقدمها الله لنا؟

حين أخذت أتأمل الآيات القرآنية التي تعرضت لرمضان في القرآن، وجدته جاء في صيغتين، صيغة الشهر الكامل (رمضان)، وجاء في صيغة جزئية أي بعض أيامه فقط، وهي (ليلة القدر).

في الصيغة التي جاء فيها بذكر الشهر الكامل (رمضان) قال الله عنه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة، 185] فعرّفه الله لنا بأنه الظرف الزماني للقرآن.

وفي الصيغة التي أشير فيها لرمضان بصورة جزئية، وهي أحد لياليه، جاءت في موضعين، مرةً باسم (ليلة القدر) ومرةً باسم (الليلة المباركة)، فأما باسم ليلة القدر فيقول تعالى في مطلع سورة القدر (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر، 1] ، وأما باسم الليلة المباركة فيقول تعالى في مطلع سورة الدخان (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) [الدخان، 3].
وفي كلا الموضعين ذكر الله هذه الليلة عبر علاقتها بالقرآن!

يا لربنا العجب .. في المواضع التي ذكر الله فيها رمضان، بصيغة الشهر الكامل وبصيغة الليالي الجزئية، تم تقديمه في إطار علاقته بالقرآن .. أي إشارة لخصوصية القرآن في رمضان أكثر من ذلك.. استعرض كل شهور السنة الفاضلة.. شهور الحج.. الأشهر الحرم.. لن تجد كثافة في الإشارة للقرآن كما تجده في علاقة القرآن برمضان..

بل ثمة أمر قد يكون أشد لفتاً للانتباه من ذلك، أنه ليس فقط إنزال القرآن اختار الله له رمضان، بل حتى (مراجعة القرآن) مع النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار الله لها رمضان! فكان جبرائيل عليه السلام –وهو أعظم الملائكة لأنه اختص بنقل كلام الله- يعقد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مجالس مسائية في كل ليلة من رمضان لمراجعة القرآن، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس أنه قال (كان جبريل يلقى النبي في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن) [البخاري، 4997]

لماذا اختار الله تحديداً هذا الشهر –أيضاً- لمراجعة القرآن؟ أليس في هذا إلماحاً إلى أن الساعات الرمضانية هي أشرف الأزمان وأليقها بالقرآن؟ هل هناك لفت للانتباه لخصوصية القرآن في رمضان أكثر من هذه الإشارات في اختيار توقيت نزول القرآن، واختيار توقيت مراجعته؟

والحقيقة أن هذه المدارسة إذا أخذ يتخيلها الإنسان تستحوذ عليه المهابة .. من يتصور؟ مجلس ليلي رمضاني لمراجعة القرآن، طرفاه أعظم إنسان (محمد بن عبدالله) وأعظم ملَك (جبرائيل) وموضوع الدرس أعظم الكلام (كلام ملك الملوك) .. يا ألله .. أي هيبة تقبض على النفوس بمجرد تخيل ذلك..

ولذلك فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- نفسه يتأثر كثيراً بهذه المدارسة القرآنية الرمضانية مع جبرائيل، وكان الصحابة يرون أثرها أمامهم على شخصية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حتى كان يقول ابن عباس كما في البخاري (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) [البخاري، 3220].

انظر كيف كان جود رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يزداد بمدارسته القرآن مع جبريل، إذا كان هذا رسول الله الذي نزل عليه القرآن ومع ذلك ينتفع بمدارسته، فكيف بالله عليكم ستكون حاجتنا نحن أصحاب القلوب التي أمرضتها الشهوات والشبهات..؟! أي حرمان أوقع فيه بعض المتثيقفة أنفسَهم حين أوهموا أنفسهم أنهم يعرفون القرآن وقرؤوه ولا حاجة لهم إلى إستمرار تلاوته وتدبره ومدارسته، فكل ما في القرآن سبق أن اطلعوا عليه!

أشهر فعالية اجتماعية في شهر رمضان هي طبعاً (صلاة التراويح).. هل سألت نفسك يوماً ماهي الحكمة من صلاة التروايح؟ دعني أكون شفافاً معك فالحقيقة أنه لم يسبق لي أصلاً أن تساءلت هذا السؤال، ولكن كنت مرةً أطالع فتاوى محقق العلوم ابوالعباس ابن تيمية فرأيته يقول رحمه الله (بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمع المسلمون كلام الله) [الفتاوى 23/122]
سبحان من فتح على ذلك العقل الحراني في فهم أسرار الشريعة..

وإذا تأمل المرء النسبة بين رمضان الذي هو وقت الصوم ووقت نزول القرآن، أدرك شيئاً من النسبة بين يوم الاثنين واستحباب صيام النفل فيه، وهو ما أشار له النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم (سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الاثنين قال “ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل علي فيه”). [مسلم، 2804]
فلاحظ بالله عليك هذا الخيط الرفيع بين كون شهر رمضان الذي يجب صومه هو شهر نزول القرآن، ويوم الاثنين الذي يستحب صومه هو يوم نزول القرآن.
هل من المعقول أن تكون هذه التوقيتات الزمنية لا تحمل دلالات شرعية ورسائل تضمينية؟

بل ومن الموافقات التاريخية العجيبة أن أشهر جهاد للسلف في القرآن كان فتنة الإمام الاحمد المعروفة في مسألة القرآن، وهذه الحادثة العقدية القرآنية وقعت في رمضان كما ذكر المؤرخون! قال الذهبي (وفي رمضان كانت محنة الإمام أحمد في القرآن، وضرب بالسياط حتى زال عقله) [النبلاء، 10/292].
فسبحان من أنزل القرآن في رمضان، وابتلى أئمة السلف بالجهاد للقرآن في رمضان! وهذا مجرد توافق تاريخي لكن فيه شئ لطيف مما تستطرفه النفوس..

وإذا حاول المرء أن يتأمل في سر العلاقة بين رمضان والقرآن، أو أزمان الصيام والقرآن، فإنه يمكن أن تكون العلاقة أن الصيام يهذب النفس البشرية فتتهيأ لاستقبال القرآن، ففي أيام الصيام تكون النفس هادئة ساكنة بسبب ترك فضول الطعام .. وهذا يعني أن من أعظم ما يعين على تدبر القرآن وفهمه التقلل من الفضول.. مثل فضول الطعام، وفضول الخلطة مع الناس، وفضول النظر، وفضول السماع، وفضول تصفح الانترنت.. فكلما زالت حواجز الفضول تهاوت الحجب بين القلب والقرآن..

وبعض الناس يتساءل ويقول: ماذا أتدبر بالضبط في القرآن؟ والحقيقة أن القرآن فيه حقائق وإشارات كثيرة تحتاج إلى التدبر، ثمة مفاتيح كثيرة لفهم القرآن..

أعظم وجوه ومفاتيح الانتفاع بالقرآن تدبر ما عرضه القرآن من (حقائق العلم بالله) فما في القرآن من تصورات عن الملأ الأعلى هي من أعظم ما يزكي النفوس، وكثيراً من المنتسبين للفكر المعاصر يظن الأهم في القرآن هو التشريعات العملية، وأما باب العلم الإلهي فهو قضية ثانوية، ولا يعرف أن هذا هو المقصود الأجل والأعظم، ولذلك قال الإمام ابن تيمية (فإن الخطاب العلمي في القرآن أشرف من الخطاب العملي قدراً وصفة) [درء التعارض، 5/358].

وأنا شخصياً إذا التقيت بشخصية غربية متميزة في الفكر أو القانون أو غيرها من العلوم أجاهد نفسي مجاهدة على احترام تميزه، لأنني كلما رأيتهم في غاية الجهل بالله سبحانه وتعالى، امتلأت نفسي إزراءً بهم، ما فائدة أن تعرف تفاصيل جزء معين من العلوم وأنت جاهل بأعظم مطلوب للإنسان.. إنه لا يختلف عن سائق مركبة يتقن تفاصيل بعض الطرق الفرعية ويجهل الطرق الرئيسية في المدينة.. فهل مثل هذا يصل؟! أي تخلف وانحطاط معرفي يعيشه هؤلاء الجهلة بالعلم الإلهي.. ويؤلمني القول بأن كثيراً من المنتسبين للفكر العربي المعاصر يجهلون دقائق العلم بالله التي عرضها القرآن.. وأما من تأمل رسالة الإمام أحمد في الرد على الزنادقة، ورسالة الدارمي في النقض على المريسي، فستسحوذ عليه الدهشة من عمق علمهم بالقرآن ومافيه من أسرار المعرفة الإلهية، وشدة استحضار الآيات وربط ما بينها..

ومن وجوه الانتفاع بالقرآن –أيضاً- تدبر أخبار الأنبياء التي ساقها القرآن وكررها في مواضع متعددة، وبدهي أن هذه الأخبار عن الأنبياء ليست قصصاً للتسلية، بل هي (نماذج) يريد القرآن أن يوصل من خلالها رسائل تضمينية، فيتدبر قارئ القرآن ماذا أراد الله بهذه الأخبار؟ مثل التفطن لعبودية الأنبياء وطريقتهم في التعامل مع الله كما قال الإمام ابن تيمية (والقرآن قد أخبر بأدعية الأنبياء، وتوباتهم، واستغفارهم) [الرد على البكري].

وتلاحظ أن الله يثنّي ويعيد قصص القرآن في مواطن متفرقة، وليس هذا تكراراً محضاً، بل في كل موضع يريد الله تعالى أن يوصل رسالةً ما، وأحياناً أخرى يكون في كل موضع إشارة لجزء من الأحداث لايذكره الموضع الآخر، كما قال الإمام ابن تيمية مثلاً (وقد ذكر الله قصة قوم لوط في مواضع من القران في سورة هود والحجر والعنكبوت، وفي كل موضع يذكر نوعاً مما جرى) [الرد على المنطقيين].

والمهم هاهنا أن تدبر أخبار الأنبياء، وأخبار الطغاة، وأخبار الصالحين، في القرآن، ومحاولة تفهم وتحليل الرسالة الضمنية فيها؛ من أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن.

ومن أعظم وجوه الانتفاع بالقرآن –أيضاً- أن يضع الإنسان أمامه على طاولة التدبر كل الخطابات الفكرية المعاصرة عن النهضة والحضارة والتقدم والرقي والاصلاح والاستنارة الخ.. ويضع كل القضايا التي يرون أنها هي معيار التقدم والرقي .. ثم يتدبر قارئ القرآن أعمال الإيمان التي عرضها القرآن كمعيار للتقدم والرقي .. تأمل فقط بالله عليك كيف ذكر الله الانقياد والتوكل واليقين والاخلاص والاستغفار والتسبيح والصبر والصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخ في عشرات المواضع .. بل بعض هذه الأعمال بعينها ذكرت في سبعين موضعاً .. ثم قارن حضور هذه القضايا في الخطابات الفكرية لتجده حضوراً شاحباً خجولاً .. أي إفلاس فكري أن تكون الأعمال التي يحبها الله ويثنيّ بها ويجعلها مقياس الرقي والتقدم والتنوير هي في ذيل القائمة لدى الخطابات الفكرية المعاصرة المخالفة لأهل السنة .. يا خيبة الأعمار ..

حين يتدبر قارئ القرآن كيف وصف الله القرآن بأنه هدى وبينات ونور فإنه يستنتج من ذلك مباشرة بأن مراد الله من عباده في القرآن ليس لغزاً .. هل يمكن أن يكون الله تعالى يعظم ويمنح الأولوية لتلك القضايا التي ترددها الخطابات الفكرية ثم يكرر في القرآن غير ذلك؟! هل القرآن يضلل الناس عن مراد الله؟! شرّف الله القرآن عن ذلك، ولذلك كان الامام ابن تيمية يقول (وما قصد به هدى عاماً كالقرآن، الذي أنزله الله بياناً للناس، يذكر فيه من الادلة ما ينتفع به الناس عامة). [الفتاوى، 9/211]

وهذا لا يعني أن الأئمة الربانيين لا يختصهم الله بمزيد فهم للقرآن، وتتكشف لهم دلالات وأسرار لا تنكشف لغيرهم من الناس، فالقلب المعمور بالتقوى يبصر ما لا يبصره من أغطشت عينه النزوات، نسأل الله أن يسبل علينا ستر عفوه، وقد أشار الإمام ابن تيمية لذلك في مواضع كثيرة من كتبه، كقوله (ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلاً لا ينضبط لنا، والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يتفاضلون في فهمه تفاضلاً عظيماً، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات) [درء التعارض].

ومن أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن –أيضاً- أن يستحضر متدبر القرآن أن جمهور قرارات القرآن وأحكامه على الأعيان والأشياء إنما هي (أمثال)، ومعنى كونها أمثال أي (يعتبر بها ما كان من جنسها) بمعنى أن القرآن يقدم في الأصل نماذج لا خصوصيات أعيان، وقد أشار القرآن لذلك كثيراً كقوله تعالى في سورة الحشر (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، وقوله في سورة الروم (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ).
فماذا يريد الله في مطاوي هذه الأمثلة القرآنية؟ هذا أفق واسع للتدبر..

لا شك أن تنبيهات القرآن على مركزية (تدبر القرآن) في صحة المنهج والطريق أنها دافع عظيم للتدبر .. لكن ثمة أمراً آخر على الوجه المقابل لهذه القضية .. معنى منذ أن يتأمله الإنسان يرتفع لديه منسوب القلق قطعاً .. وهو أن من أعرض عن تدبر القرآن فإن الله قدر عليه أصلاً ذلك الانصراف لأن الله تعالى سبق في علمه أن هذا الإنسان لا خير فيه، ولو كان في هذا المعرض خير لوفقه الله للتدبر والانتفاع بالقرآن، وقد شرح القرآن هذا المعنى في قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال، 23].

كلما رأى الإنسان نفسه معرضاً عن تدبر القرآن، أومعرضاًَ عن بعض معاني القرآن، ثم تذكر قوله تعالى (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم) يجف ريقه من الهلع لا محالة..

على أية حال .. رمضان على الأبواب .. وهذا موسم القرآن ولكل شئ موسم.. (والقرآن مورد يرده الخلق كلهم، وكل ينال منه على مقدار ما قسم الله له) [درء التعارض].

ابوعمر
شعبان 1431هـ