Posted on الثلاثاء الموافق 21 ماي عام 2019م by المدونون
جوانب من تربية الفتاة في الإسلام
21 – صفر – 1440 هـ| 01 – نوفمبر – 2018
البنت بحكم فطرتها وطبيعتها تحتاج إلى رعاية خاصة، إعداداً للدور الكبير الذي ينتظرها في الحياة: أن تكون زوجة صالحة، وأماً ناجحة في المستقبل، وخير النساء من تعتني بزوجها وأولادها، فقد ورد في الحديث المتفق عليه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: “خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ”.
والنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كان أَبا لبنات، رباهن طيلة حياته، وعاش معهن لحظة لحظة في جميع مراحل حياتهن من الْولادَة إِلَى الْوفاة، فكل أولاده توفى قبله، إِلا فاطمة -رضي الله عنها- فإِنها تأخرت بعده بستة أشهر.
وقد أجمع المؤرخون أَن للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَربع بنات كلهنّ أدركن الإسلام، وهاجرن هن: فاطمة -رضي الله عنها- ولدت قبل النبوة بِخمس سنِين. وزينب تزوجها العاص بن الربيع -رضي الله عنه-، ورقية، وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان -رضي الله عنه- تزوج أم كلثوم، بعد رقية.
فضل تربية البنات
حث النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ على تربية البنات والإحسان إليهن، وجعل من يحسن إلى اثنتين أو ثلاث منهن رفيقه في الجنة، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: “مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ”.
وجعل تربية البنات حجاب عن النار: فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (مَن كان له ثلاثُ بناتٍ يُؤدِّبُهنَّ ويرحَمُهنَّ ويكفُلُهنَّ وجَبَت له الجنَّةُ ألبتةَ، قيل يا رسولَ اللهِ: فإن كانتا اثنتينِ؟، قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قال: واحدةً، لقال: واحدة)رواه أحمد وصححه الألباني.
هناك فرق بين تربية البنات والأولاد.
هناك فرق كبير بين تربية الأولاد وتربية البنات؛ بسبب الاختلافات الفيزيولوجية، وبسبب الاختلافات النفسية، فطبيعة تفكير وإحساس الذكور تختلف تماماً عن طريقة تفكير الإناث، وهذا ما يجب أن يأخذه الوالدان بعين الاعتبار أثناء التعامل معهم.
إن أكبر خطأ يرتكبه الأهل في تربية البنات هو: عدم إدراك طبيعة تكوين البنت والمشاعر التي تنتابها مع مراحل نموها المختلفة.
ينبغي أن يختلف إعداد الفتى عن الفتاة، فلا بد من منع الطفلة من مجالسة الرجال، إذا قاربت على البلوغ ومن الخروج إلى الشارع، وتُعَلَّم الأدب والحشمة والحياء، وتُلزَمَ بالحجاب، وتُعلَّم أعمال المنزل، وكل ما يساعدها لتكون زوجة ناجحة، وأماً مثالية. ومن الواجب أن تكون الأم صديقة لبنتها، فتشركها معها في أعمال المنزل، والتزيُّن والمكوث في البيت وتشابه اللباس.
وهناك عدد من جوانب في بناء شخصية الفتاة، يجب أن تحرص كل أم على غرسها في بنتها وتربيتها عليها، ومن ذلك:
أ. البناء الروحي:
الإنسان روح ثم جسد، والروح أهم من الجسد، وهي محل العقيدة والقيم، وكل ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات، وقد ميزه الله عز وجل ليجعله خليفة في الأرض، وقد خصه بها فقال عز وجل: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}(الحجر:29) ولهذا أمر الملائكة بالسجود له، وفضله على سائر العالمين.
والطاقة الروحية في الإنسان هي أكبر طاقاته، وأعظمها، وأشدها اتصالاً بحقائق الوجود، فطاقة الجسم محدودة بما تدركه الحواس، وطاقة العقل أكثر طلاقة، ولكنها محدودة أيضاً بالزمان والمكان. أما طاقة الروح فلا تعرف الحدود والقيود، وهي وحدها تملك الاتصال بالله.
وطريقة الإسلام في تربية الروح هي: أن يعقد صلة دائمة بينها وبين الله عز وجل في كل لحظة، وكل عمل، والعبادة هي الوسيلة الفعالة لتربية الروح؛ لأنها تعقد الصلة الدائمة بالله سبحانه وتعالى، وكلما توجهت الروح إلى ربها وخالقها: نمت وترعرعت، وإذا انحرفت عنه ذبلت وضعفت.
متى تؤمر البنت بالحجاب؟
القواعد الشرعية تقتضي أن أمر الفتاة بالحجاب يكون إذا بلغت المحيض، وهكذا سائر الأوامر الشرعية والمناهي والتكاليف، ولكن التدريج معها قبل بلوغها المحيض: يُسهّل عليها التكاليف ويهوّن عليها الطاعات إذا بلغت المحيض، فيستحب للوالدين تدريب البنات على التحجب قبل بلوغهن المحيض.
ب. البناء الاجتماعي:
البناء الاجتماعي يهدف إلى تحقيق التوازن بين القيم التي تنشأ عليها الفتاة، وأسالب الضغط الاجتماعي، وإلى إيجاد نوع من التوافق بين حاجات الفتاة، ومطالب المجتمع، وإلى إيجاد سلوكيات تحقق رغبات الفرد، ويرضى عنها الآخرون.
وبالتالي من المهام لدى الأهل: أن تلقن الطفلة قواعد السلوك الاجتماعي، ليتوافق مع معايير المجتمع، وتأديب الطفلة عملية أساسية، حتى يبقى استمرار البناء الاجتماعي، وذلك اعتمادا على ركائز الدين الإسلامي.
ج- البناء الأخلاقي:
جاء الإسلام ليتم البناء الأخلاقي للإنسان، وتميز اهتمامه بهذا الأمر إلى حد أن فسر الإسلام على أنه الخلق في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}القلم:4، قال ابن عباس: على دين عظيم أي الإسلام.
وقد اهتم الإسلام بالبناء الأخلاقي للفتاة منذ نعومة أظافرها، فحثنا على غرس العفة والحياء والصدق والكرم في سلوكها.
لذلك يجب أن تبتعد الفتاة المسلمة عن مصاحبة الفتيات ذات الأخلاق الغير سامية، وهذا حتى لا تتعلم منهن سوء الخلق، فضلاً عن ذلك: من الضروري أن تكون الفتاة مطيعة لأبويها، و تحرص على رعايتهما، و كلما تمسكت الفتاة بأخلاق الإسلام سوف تنجح في إدارة منزلها، وستكون مطيعة لزوجها، وستقوم بتربية أولادها و بناتها تربية صحيحة.
د- البناء الوظيفي:
ليس المقصود بالإعداد الوظيفي: تأهيل ابنتك لممارسة مهنة معينة، بل يتسع المفهوم ليشمل تأهيل المرأة، لتكون زوجة وأمّاً قبل كل شيء، والذي نفتقده إعداد المرأة لحياة الزوجية والأمومة، تحتاج الفتيات لتعلم التدبير المنزلي، وحقوق الزوج وآداب التعامل وأساليب التجمُّل، وطرائق تأثيث المنزل وغيرها مما تحتاجه المرأة.
Posted on الأربعاء الموافق 20 مارس عام 2019م by المدونون
عشر نصائح طبية لإعداد سحور متكامل الفوائد من غير جوع أو عطش
تعد وجبة السحور بمثابة الوقود الذي يسير به الإنسان حتى يفطر، فهو سنة قد شدد عليها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: “تسحروا فإن في السحور بركة”، فالسحور يعين الصائم على إتمام صومه وعبادته حتى يفطر دون أن يبلغ به الأمر مبلغ (عضات الجوع)، ولكن ما يحدث من عادات غذائية خاطئة عند تناول وجبة السحور أو الإفطار، عند الكثير من الأسر، سواء من الإسراف في تناول الأطعمة أو التركيز على الأطعمة المشبعة بالدهون، والسكريات، أو حتى عدم تناول هذه الوجبة، يستدعي التعرف على الوصايا النبوية والنصائح الطبية التي تعين الصائمين على الاستفادة من هذا الموسم ليس فقط روحانيا بل وصحيا.
نظرا لأن وجبة السحور تعد أكثر أهمية من وجبة الإفطار -كما أكد الاطباء- لذا فمن الضروري التعرف على فوائد السحور، والعناصر التي يجب أن تحرص حواء على أن تقدمها لأسرتها في هذه الوجبة.
فوائد السحور كثيرة، فهو يمنع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان، ويساعد على التخفيف من الإحساس بالجوع والعطش الشديد، كما ينشط الجهاز الهضمي، ويحافظ على مستوى السكر في الدم فترة الصيام.
أما النصائح التى يقدمها الأطباء لربة الأسرة بشأن إعداد وجبة السحور متكاملة الفائدة الصحية فهى:
1-احرصي على إعداد المأكولات التي تتسم بالبطء في عملية هضمها- بدلاً من المأكولات التي يتم هضمها بسرعة- مثل الأطعمة التي تحتوي على الألياف المتوافرة في منتجات الحبوب الكاملة والفواكه والخضروات والبقوليات، مثل الحمص ،والعدس الأصفر،و البليلة، فالألياف تملأ المعدة لمدة طويلة مما يقلل الإحساس بالجوع، و(الفول) يُعد أحد الوجبات التي يفضل تناولها أثناء السحور، لأنه يحتوي على قيمة غذائية عالية، وبه مصدر مهم للمواد الكربوهيدراتية، البروتينيات، والمعادن، وتزداد فائدة طبق الفول إذا تم إضافة الليمون إليه، وفي حالة المعاناة من عسر الهضم نتيجة تناول طبق الفول، يمكن أن يتم إزالة القشرة الخارجية له، لأنها تحتوى على نسبة مرتفعة من السليولوز. ويمكن أن يحتوي السحور أيضا على البيض والجبن خفيف الملح.
2- قدمي لأسرتك منتجات الألبان أثناء السحور، كاللبن الزبادي، واللبن (الرايب)، لأنه غذاء ملين ويحتوي على كمية خمائر تنبه البكتريا النافعة في المعدة لتكوين فيتامين b المفيد للجسم، كما يتوافر في اللبن عنصر الكالسيوم، وهو من الأغذية التي لا تتعب المعدة أثناء النوم.
3- نوعي في تقديم السوائل لأسرتك، سواء من الماء أو العصائر الطازجة معتدلة البرودة، وغير المعلبة، أو الغازية، وذلك لاحتوائها على مواد مؤكسدة تزيد من الإحساس بالعطش، وليست المبالغة في الشرب أثناء السحور هو ما يقينا من العطش أثناء فترة الصيام، لأن الجسم -كما يؤكد أساتذة التغذية -لا يأخذ سوى حاجته من المياه، ويتخلص من المياه الزائدة.
4- يفضل قبل بدأ شهر رمضان التدرج وتخفيف نسبة الكافيين في الجسم، عن طريق التقليل من شرب المنبهات مثل الشاي والقهوة، ولكن في حال الرغبة في تناول أحد الأكواب السابقة، فيفضل أن يكون ذلك قبل السحور بساعتين، مع عدم الإسراف في المنبهات خصوصا أنها-أي المنبهات- من المشروبات المدرة للبول، ومن ثم تشعر الصائم بالعطش الشديد.
5- قدمي لأسرتك بعض الخضروات مثل الخيار والخس في وجبة السحور، نظرا لاحتوائها على نسبة كبيرة من الماء ،والتي تساعد الجسم في تعويض ما يفقده من سوائل أثناء الصوم، وتحمي الفرد من الإصابة بالإمساك، وتعطي الجسم ما يحتاجه من الفيتامينات والأملاح. ويفضل أيضا احتواؤه أيضا على الفواكه مثل: الموز خصوصا أنه مصدر جيد للبوتاسيوم والماغنسيوم والهيدروكربونات التي يحتاجها الجسم أثناء الصوم.
6- احرصي أن تكون وجبة السحور متوازنة ولا تحتوي على الأغذية الغنية بالسعرات الحرارية مثل الأغذية التي تقلى في الزيت، أو المسبكات، لأنها ستسهم في إصابة أفراد أسرتك بالحموضة وتزيد من الوزن لديهم.
7-تجنبي الأغذية شديدة الملوحة، والتوابل والبهارات، والحلويات المركزة مثل الكنافة والبقلاوة، والمكسرات، والأطعمة الدسمة أو المقلية، لأنها تزيد الإحساس بالعطش.
8-من الأخطاء الفادحة التي يقع فيها المتسحرون، هي تناول قدر كبير من الطعام في هذه الوجبة خوفا من الشعور بالجوع، ثم التوجه مباشرة للنوم مما يعطي فرصة أكبر للإصابة بالسمنة.
9-احرصي على تأخير السحور لأسرتك، حيث إن التأخير يمكّن الجسم من الاستفادة من المواد الغذائية لأكبر فترة ممكنة من ساعات النهار. وقد حثنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على ذلك، فقال: (ما تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور).
10- نوعي في تقديم التمر في وجبة السحور بالأخص مع الأطفال، فيمكنك أن تقدمي لأسرتك أصنافا مثل التمر مع البيض أو التمر مع اللبن، ولكن بدون إضافة نسبة كبيرة من السكر، فالتمر له تأثير نفسي مهم لمن يتناوله، والتمر من العناصر الغذائية التي ينصح بها الأطباء، خصوصا للأشخاص الذين يشعرون بالدوخة والتراخي وزوغان البصر، وقد قال النبي محمد عنه: “نعم سحور المؤمن التمر”.
يبقى التأكيد على أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل القلب ، والسكر، والضغط، عليهم عمل زيارة للطبيب المعالج ، لمعرفة الأطعمة المحظور تناولها والمسوح بها أثناء الصيام، وما جرعات الأدوية التي يجب أن يتناولها المريض أثناء الشهر الكريم، ومدى قدرة المريض على الصيام.
إن المبالغة في الجوع والعطش ليست هي الغاية من الصوم، وكذلك الحال في المبالغة في تناول الأطعمة سواء أثناء فترة السحور أو الإفطار، إنما المطلوب مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات من الفجر إلى الغروب، ولو سبق هذا الامتناع وجبة جيدة معتدلة، ومتنوعة، تعين عليه وتخفف مشقته لما قلل ذلك من ثواب الصائم، فالسحور يجلب المزيد من الطاقة والثواب للصائم.
Posted on الأحد الموافق 18 نوفمبر عام 2018م by المدونون
السؤال:
الرسالة التي بين يدينا الأخيرة وردتنا من المستمع حسن جبر حافظ، من ميسان، قضاء علي، من العراق، يقول فيها: ما حكم منع الأب لابنه من الزواج؟
الجواب:
الشيخ بن باز
هذا لا يجوز؛ لأن الزواج قربة وطاعة، وفيه عفة الرجل، وغض بصره، فلا يجوز لأبيه أن يمنعه من ذلك، النبي ﷺ قال: يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. الحديث، ومعلوم أن الزواج يعينه على طاعة الله، من غض البصر، وحفظ الفرج، وإحصان المرأة، وإعانتها على الخير، وهو من أسباب النسل أيضًا، فالزواج فيه خير كثير، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه واجب مع القدرة؛ لأن النبي ﷺ أمر بذلك، والأصل في الأمر الوجوب، فدل ذلك على أن الزواج في حق ذي الشهوة إذا استطاع واجب، سواء كان شابًا، أو شيخًا، والشاب آكد، للحديث السابق.
فالحاصل أنه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا منعه والده من الزواج، وهو يستطيع الزواج؛ فينبغي له أن يتلطف مع والده، ويشرح له حاله؛ حتى يوافق، وحتى تكون المعاملة بينه وبين والده جيدة،
فإن صمم والده على منعه من الزواج، من غير سبب موجب لذلك؛ فإنه يجوز له أن يتزوج وإن لم يرض والده؛ لكونه منعه من أمر شرعي، ولا طاعة لأحد في معصية الله جل جلاله، لكن ينبغي له أن يرفق بوالده، وأن يجتهد في رضاه وموافقته، هذا هو الذي ينبغي له؛ حتى لا تكون بينه وبينه شحناء. نعم.
Posted on الخميس الموافق 9 أوت عام 2018م by المدونون
صلة الرحم
أ. بارعة اليحيى @bareah12
أريد أن أكتب في أمر أزعم أن الحاجة لطرحه ماسة ، وهو التقاطع بين الأرحام!
فقبل أشهر وقفت على قصة من هذا القبيل؛ ضاق صدري لعدة أمور: - أما إن كان التقاطع بين الأخوة؛ فأقول كما أن العلاقة الجيدة بين الإخوة هي من البر بالوالدين فكذلك التقاطع بينهم هو من عقوقهما؛ فلا وشاج أقوى من رباط الأخوة!
- أن الشيطان يفرح بتمزيق العلاقات وقطع أواصر الحب ؛وذلك بالتحريش وإساءةالظن بين الناس عموما، وبين الأرحام على وجه الخصوص؛ ولذلك قال الله:” وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن (إن الشيطان ينزغ بينهم)..”؛ فتأتي وساوسه: لا تعفُ، كن الأقوى ولا تضعف، هل نسيت ما فعل؟ لماذا أنت دائما تسامح؟ هو المخطئ.. وهكذا..
- أن قطيعة الرحم بين الأقارب ليست محصورة على المتقاطعَين ولكن يمتد أثرها-للأسف-إلى ذرياتهما، دون أن يعلم هؤلاء الأبناء ما سبب القطيعة وهل تستحق؟ وقل أن يفكروا في الإصلاح؛ بل سيرا على خطا والديهم.
– تغليظ تحريم التهاجر فوق ثلاث ليال؛ ففي الحديث:” تعرض الأعمال على الله في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل مسلم إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا”.
ثم إن الإنسان يجاهد نفسه على سلامة صدره،ويتغافل عن الزلات ويلتمس الأعذار، ويحسن الظن؛ وخيرهما الذي يبدأ بالسلام!
والذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على آذاهم!
وليس في العفو والمسامحة ضعفا؛ بل ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا!
والعبرة بالميزان الإلهي لا بموازين البشر!
ثم كم سيعيش الإنسان في هذه الدنيا ستون سنة أو سبعون ولنقل مئة!
ثم ماذا؟ فقط انتهت حياته الدنيوية
فهل يستحق الأمر أن لا يرفع العمل من أجل تهاجر!
وفي الحديث:” إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم (ولكن ينظر إلى قلوبكم)”، وفي الآية: “وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم..”؛ يكفيك إن عفوت عفا الله عنك؛ وانظر للفرق بين العفوين!
ثم إني أهيب بعقلاء الأسر من الرجال والنساء أن يبذلوا جهدهم في إصلاح ذات البين؛ ففيها ثواب عظيم وأجر كبير!
(2) البيت الضعيف : يُحَكِّم الهوى ، وتغلبه العاطفة ، وتنشأ فيه عقائد تربوية شاذة ، فيُسمع لهذا ويُزَوَّج ويدعم ، ويُسْتَخَفُّ بغيره.
(3) البيت الضعيف : يصعب اجتماعه على قهوة أو أكلة ، فهو لا يشتاق لها ، ولا يحترم موعدها ، ولا يؤمن بأثرها ، فالأب يشتهي في وقت ، والأم في وقت ، والأولاد في وقت.
(4) البيت الضعيف : ذاكرته قوية عند ذكر أخطائه وأخطاء أبنائه ، وعند نجاحاتهم تضعف أو تموت.
(5) البيت الضعيف : لا يحسن الفصل بين ذكوره وإناثه ، فهم يتشابهون في لباسهم وكلامهم واهتماماتهم ، وربما انقلب فيه الميزان : فينشأ الذكر متأنثا ، وتنشأ الأنثى مُتذكّرة.
(6) البيت الضعيف : ينسى إصلاح دينه ودنياه ، ويتباطأ في تحقيق أهدافه ، لأن همه الأكبر رضوان الناس ، وسماع آرائهم.
(7) البيت الضعيف : يبثُّ آباؤه همومهم ومخاوفهم وتاريخهم المهزوز لأطفالهم ، فيحمل الأطفال هم التخفيف عن آبائهم من أيامهم الأولى.
(8) البيت الضعيف : بحجة أن أولاده مازالوا صغارا : يحتفل بأعياد ميلادهم ، ويُلبسهم القصير والشفاف والضيق ، ولا يحرص على صلاتهم.
(9) البيت الضعيف : يحسن الظن بقنوات الأطفال ، ويحسبها بريئة من الانحرافات العقدية والأخلاقية ، لذا يشعر بالقَرارةِ حين يرى أبناءه أمام الشاشات.
(10) البيت الضعيف : مجالسه عامرة بالغيبة والبُهت ، فأكل أعراض الناس وثلبهم ، من ملذاته الباقية.
(11) البيت الضعيف : في أحايين كثيرة ، يصنع من الأصدقاء الرحماء ، أعداء محاربين متربصين.
(12) البيت الضعيف : يجهل الرفق وفضله في الدارين ، فيُجبر أبناءه في ملبسهم ومأكلهم وعبادتهم ، فيصنع من اللحظات السعيدات ، فواجع لا تزول.
(13) البيت الضعيف : يُكْثر الدعاء على أبنائه ، فيطول شقاؤه بهم حين يجاب دعاؤه ، ويمتد ضعفه إلى أجيال وأجيال.
(14) البيت الضعيف : يبطش في عقوباته ، ويتأخّر عفوه ، فينشأ أبناؤه غلاظًا على أنفسهم وعلى الناس.
(15) البيت الضعيف : يُدخل الأحمق والحكيم ، والحاسد والمُحب ، في صغائره وكبائره.
(16) البيت الضعيف : مشاكله لا تموت ، بل يُهملها لتتصاعد وتتفاقم ، ولا يأخذ منها إلا دروسا خاطئة.
(17) البيت الضعيف : يهتز أمام حقيقته ، لكنه يجحد قبحها ، فيروي لأبنائه قصصا منسوجة عن فضائله وصبره وظلم الناس له.
(18) البيت الضعيف : يحدث أبناءه في دقائق حياة لا تخرجهم أشداء صالحين.
(19) البيت الضعيف : همه إظهار نقائص أبنائه ، وتمجيد أبناء الآخرين.
(20) البيت الضعيف : ملتصق ملحاح يطلب من أبنائه ألف طلب ، فإن أخل الابن بطلب واحد ، غضب عليه غضبة تهدم حياته.
(21) البيت الضعيف : يتعاظم على كرام الناس ، ويركع لغيرهم ، ولا يبقى في صفه كريم ولا لئيم.
(22) البيت الضعيف : من أجهل الناس حين يحب وحين يكره.
(23) البيت الضعيف : يحتقر اختيارات أبنائه ، فلا يشاورهم في أكل ولا شرب ولا دراسة ولا زواج.
(24) البيت الضعيف : في خوف متصل من مصائب لن تقع ، جعلته يتقلب في علل وأوجاع لا تنتهي.
(25) البيت الضعيف : ينظر إلى أيدي أبنائه ، بلهفة وحاجة وفقر ، وينتظر منهم كرما فائضا وتضحية عظيمة.
Posted on الأربعاء الموافق 8 أوت عام 2018م by المدونون
لطائف من السّيرة المنيفة
أحمد بن عبد المحسن العساف @ahmalassaf
في يوم من خواتيم سنة مضت، دخلت إلى مكتبتي، فالخلوة في المكتبة، والنّظر إلى الكتب متعة فائقة، وإذا ترافق معها قراءة زاد الإمتاع، وستبلغ الّلذة القمّة في الحوار مع المؤلفين، على اختلاف أعصارهم، وثقافاتهم، وبلدانهم، وفنونهم.
وحين نظرت إلى كتب السّيرة النّبويّة العطرة، لمت نفسي على تقصيري في قراءة كتاب كامل غير مختصر، فقررت قراءة الرّوض الأنف للإمام السّهيلي، ويقع في سبعة أجزاء، وكنت قد اشتريته قبل ربع قرن تقريبًا، وما أعظم تقصيرنا تجاه سيرة خير خلق الله قاطبة.
وأخذت الجزء الأول، ووضعته أمامي على أن أشرع بقراءته ابتداءً من غرّة المحرّم القريب، وأنهي الأجزاء السّبعة خلال عام واحد؛ بيد أنّي لم أفعل، وظلّ الكتاب طريحًا أمامي لأزيد من عامين، حتى حضرت برنامجًا تدريبيًا، واستفدت منه عمليًا ما كنّا نسمعه عن قاعدة “عشر دقائق يوميًا”.
وبفضل الله، ثمّ بالاستمرار في القراءة لمدة عشر دقائق يوميًا، أنهيت قراءة الكتاب كاملًا في أقلّ من عام. وخلال القراءة، كتبت بعض التّدوينات المختصرة على تويتر في وسم نافع المحتوى بعنوان من لطائف السّيرة، وما أحرانا بتنقية هذه المنصّات من الغثاء والهباء والبلاء، والله يكتب الأجر والمثوبة لمن أحسن عملًا.
وتوافقت بعض التّدوينات مع مناسبات بالصّدفة دونما ترتيب، لأنّها مرتبطة بوقت القراءة، ولم أكتب كلّ فائدة خطرت لي، وكم نحن بحاجة للاغتراف من معين هذه السّيرة العذبة. وسأسرد الّلطائف أدناه بلا إشارة إلى موضعها من مجريات السّيرة الكريمة، والغاية بعد الاختصار، تحفيز القارئ الموفق إلى الخلوة مع سيرة إمامنا وقدوتنا صلّى الله عليه وسلم، والنّهل من نميرها العذب، فمنها:
1. حرص كفار مكة على تشويه صورة الجناب الكريم، وحجز النّاس عنه، فلم يفلحوا، لأنّ التّاريخ، والحاضر يشفعان لصاحبهما.
2. اجتهد صناديد قريش لكسر إرادة المسلمين، وسحق كرامتهم، والاعتداء على حقوقهم الطبيعيّة، فكان الصّبر مع الإيمان درعين ضدّ عدوان المجرمين.
3. استخدمت قريش جميع صنوف العذاب المادي والمعنوي، الفردي والجماعي، فلم تفلح؛ لأنّهم يحاربون دعوة سماويّة منصورة ولابد.
4. تعاضد المشركون واليهود والمنافقون ثنائيًا أو بالاشتراك، وبالتّواصل مع القوى المحيطة أو الكبرى، وغايتهم إطفاء نور الله، فآبوا ببوار وخسران، وبقي الإسلام ينير الدّيار والقلوب، فمن يجرؤ على حرب دين كتب الله له النّصرة والغلبة؟!
5. من ملامح السّيرة خلال المرحلة المدنيّة نجد أنّه لا أمان لليهود مهما كتبوا وعاهدوا.
6. اتضح من خلال الفترة المدنيّة أنّ المنافقين بارعون في استخدام الأحداث، وقلب الحقائق، وسوق الشّبه على سبيل الاحتجاج.
7. أبرم النّبي صلح الحديبية لمدة عشر سنوات، وظاهر الصّلح انكسار للمسلمين، فنقضه الكفّار، وفتحت مكة بعد عامين، ودانت عموم الجزيرة خلال عشرة أعوام! إنّه تدبير رباني!
8. للتّاريخ حق متين، وللأسبقيّة واجب الرّعاية، ولذلك أكرم النّبي عليه الصّلاة والسّلام السّابقين من أصحابه، والمهاجرين والأنصار، والبدريين، ودافع عنهم.
9. أرضى النّبي الكريم جميع أزواجه حتى بعد أن فارقن الحياة، وكانت لخديجة وصاحباتها مكانة خاصة لديه.
10. أحيانًا، تحول موانع دون أن تفعل أو أن تقول، بيد أنّ الله يوفق الصّادقين المخلصين لمخرج، ومنه قوله عليه الصّلاة والسّلام، لأبي بصير رضي الله عنه، حين أعاده لقريش: مسعر حرب لو كان معه رجال!
11. مع عظمة النّبي إلّا أنّه لم يقل أو يفعل ما يدل على أنّه المحرك الوحيد لدولته وأفرادها، بل كان معه الوحي المقدّس، وكبار الصّحابة، وسائرهم، والمصلحة المعتبرة، ومقتضى الحال، وواجب الوقت.
12. صفح الرّسول عمّن يصلحه الصّفح مثل طلقاء قريش، وعاقب من لا يزجره إلّا العقاب مثل يهود المدينة، فالمسألة موقفية، وخاضعة للمصلحة الشّرعيّة إذا عدم النّص الصّريح الصّحيح.
13. أنف المشركون من تسوّر بيت النّبي عليه الصّلاة والسّلام هروبًا من عار اقتحام منزل فيه نساء!
14. عندما لطم أبو جهل أسماء رضي الله عنها طلب ممن شاهده أن يكتم فعلته الوقحة! فحتى في جاهليتهم وعدائهم كانت لهم حدود وأعراف!
15. إنّك لتكسب المعدوم: وصف قيل عن الرّسول والصدّيق، فما أجدر التّجار وروّاد الأعمال بالاقتداء بهما: من خلال إرشاد الشّباب ومشاركتهم.
16. أسلم حمزة وأعز الله به المسلمين مع أنّ إسلامه جاء في سياق غضبة وحميّة! وأسلم أبو محذورة وأصبح مؤذنًا مع أنّ مبتدأ أمره كان الاستهزاء بالآذان! فالهداية بيد الله، وقلوب العباد طوع أمره.
17. حين أسلم حمزة وعمر رضي الله عنهما تغيرت الموازين، وقويت أوراق الجماعة المؤمنة، وإنّ مراعاة الحال لواجب وحكمة.
18. قال عمرو بن أمية الضّمري للنّجاشي رضي الله عنهما: عليّ القول وعليك الاستماع: إنّك كأنّك في الرّقة علينا منّا! وكأنّا بالثّقة بك منك؛ فلم نظن بك خيرًا إلّا نلناه، ولم نخفك على شيء إلّا أمناه، فما أجملها من علاقة!
19. استقوى مشرك بأسلحته لمقاومة الفاتحين، فأظهرت زوجه شكوكها في جدواها، بينما وعدها الرّجل بأن يجعل بعضهم خدمًا لها! ولم يلبث أن عاد إليها مذعورًا منهزمًا يبحث عن خباء يختفي فيه، فقالت له: أين ماكنت تقول؟!
20. في قصّة وفد مضر، دخل النّبي عليه السّلام إلى بيوته ثمّ خرج دون أن يجد شيئًا يقدّمه لهم؛ فخطب النّاس وحثّهم على الصّدقة، فقد بدأ بنفسه قبل النّاس! وليس في بيوته جميعها شيء وهو من هو!
21. قيّم نفسك حسب مقياس خديجة: تصل الرحم؟ تصدق الحديث؟ تؤدي الأمانة؟ تحمل الكل؟ تقري الضّيف؟ تعين على نوائب الحق؟ والنّتيجة: لا يخزيك الله أبدا!
22. رفض النّبي إطباق الجبال على المشركين أملًا في أن يخرج من أصلابهم جيل مؤمن، وصنيعه هذا فيه رحمة، تفاؤل، استشراف، بعد نظر! أين منها المقتدون؟!
23. أصيب صحابي شاب بجرح في معركة أحد فأتي به لداره والنّاس يبشرونه بخير؛ فقال أبوه وهو منافق طاعن بالسّن: بأيّ شيء تبشرونه وقد غررتم هذا الغلام من نفسه؟! منطق النّفاق ولغته واحدة!
24. إذا كان لك عمل عام مشين، ثم وفقك الله للتوبة، فاجتهد في عمل عام راشد، فوحشي إبّان كفره قتل حمزة عمّ النّبي عليه السّلام، ورضي الله عنهما، وحين أسلم قتل مسيلمة مدعي النّبوة.
25. نصح أبو سفيان قريشًا بالاستسلام قبيل فتح مكة؛ لكنّ زوجه عارضته، فكرر رأيه وحذرهم من الاغترار برأيها، فآراء الشّاطحين بسبب موقف، أو أمنية، أو حقد قديم لا قيمة لها!
26. أشاع الكفار في معركة أحد أنّهم قتلوا النّبي عليه السّلام لتوهين الصّحابة بحرب نفسيّة، فكان كيدهم سبب سلوان الأصحاب عن قتلاهم لما تحققوا من حياة الرّسول، وانقلب مكر المشركين عليهم!
27. اشيروا عليّ أيها النّاس! كررها النّبي عليه السّلام في معركة بدر، والتّلميح فنٌّ يخاطب به أصحابُ الأخلاق العظيمة، كرامَ بني آدم وأذكياءهم ابتعادًا عن المباشرة التي قد تحرج أو تجرح!
28. أيقن بعض أكابر قريش في قرارة نفوسهم، بصدق النّبي ودعوته، بيد أنّهم كابروا بالجحود والشّرك، فمات بعضهم كافرًا، وتأخر إسلام آخرون ففاتهم خير كثير، ألا ما أخسر الكِبر من خلق!
29. لسعد بن معاذ رضي الله عنه مواقف عظيمة، لكنّ أعظمها موقفه من خيانة يهود المدينة، فقدر كبار أمتنا أن يكون لهم موقف صدق مع أعاديها.
30. اعتدى بنو قينقاع على مسلمة محاولين كشف وجهها ثمّ جسدها، فانتقض العهد معهم! ومن جرائم ابن الأشرف التي أوجبت اغتياله تشبيبه بنساء المسلمين وتغزلّه بهن! حفظ العرض مقصد شرعي، والغيرة المنضبطة على المحارم من المكارم وكمالات الرّجال!
31. غضب البعض من جيش مؤتة، ووصفهم بالفرّارين، بيد أنّ القائد العظيم، صاحب النّظرة الإيجابيّة، نفى عنهم ذلك ووصفهم بالبطولة والكر! القيادة نظر بعيد، وقول رشيد، وتقدير موقف.
32. مهما بلغ سوء القوم؛ فقد يكون فيهم مثل مؤمن آل فرعون، وعبد الله بن سلام، ومخيريق، رضي الله عنهم، فلا تيأسن من حال وفئام.
33. حضرت المرأة في السّيرة بقوة؛ لأنّها شريكة الرّجل في المجتمع والتّكليف، فتقدّمت بالخير حين آمنت، ونصرت، وأنفقت، وعُرفت بالسّوء حمّالة الحطب!
34. لقي النّبي وصحبه من كفار مكة سخرية وصدًا وحصرًا وتعذيبًا وتهجيرًا، ثمّ دخلوها فاتحين بعد ثمان، فحجّاجًا مع مئة ألف، والظّفر مع الصّبر!
35. إنّ حَمَلة مشاعل الإصلاح يحتاجون إلى سند عاطفي في بيوتهم كما فعلت خديجة، وإلى سند اجتماعي في محيطهم كما صنع أبو طالب وغيره.
36. حاول رسولا قريش إلى النّجاشي الحيلولة بينه وبين السّماع من المسلمين، واشتروا البطارقة، لكنّ الملك تجاوز المكر والغش والظّلم من حاشيته التي يفترض أن تكون ناصحة له، صادقة معه!
37. كان عليه الصّلاة والسّلام يهجر قريشًا قبل البعثة ويتحنّث، فلمّا بُعث بعين الحق الذي يخالف قومه، خالطهم وغشى مجالسهم داعيًا صابرًا.
38. من مميزات شخصيّة الجناب الكريم أنّها محل القدوة في كلّ جانب، فرحمته وغضبته قدوة، وسلمه وحربه أسوة، وقيادته وأبوته كذلك، وهكذا.
39. أمر النّبي صحابته بالاضطباع والرّمل في عمرة القضاء كي يعاين كفّار قريش قوة المسلمين، وليقطع على المشركين نشوة الفرح الحقيقي أو المتوهم بالانتصار، لأنّ قوتك المعنويّة أو الماديّة تحزن عدوك، وتفسد على خصمك لذة تفوقه عليك!
40. مع شدّة كفّار الطّائف على النّبي صلى الله عليه وسلّم؛ طلب الملائكة والنّاس منه أن يدعو عليهم في موقفين، فأبى وسأل الله لهم ولأجيالهم الهداية، فالمصلح لا يحقد، ولا ييأس، ولا ينتصر لشخصه، ونظرته مستقبليّة.
41. بدرت من بعض الزّعماء حديثي الإسلام كلمات مريبة خلال غزوة حنين والطّائف، وبسؤال بعضهم تبين أنّهم شاركوا طلبًا لمغانم خاصّة فقط! ليس كلّ من كان معك يشاركك في غاياتك!
42. لم يرض زعيم من المؤلّفة قلوبهم بما أعطي، فقال النّبي عليه الصّلاة والسّلام لصحابته: اقطعوا عنّي لسانه! فأعطوه حتى رضي وسكت. المال، والعطاء، والكرم، يسكن النّفوس، ويكبت شرها، ويشبع شرهها.
43. أخذ المؤلّفة قلوبهم نصيبهم من المال والأنعام ثمّ أكلوه وأفنوه، وحاز الأنصار شرف الاختصاص بالجناب الكريم، وهو مجد باق لهم أبد الدّهر.
44. استثمر المنافقون المرأة في مواضع كثيرة دون أخذ أذنها أو مراعاة مصلحتها، فلأجل البلبلة وإشاعة السّوء افتروا حادثة الإفك، وللنّكوص عن الجهاد تذرعوا بالخوف من الفتنة!
45. جاءت حليمة السّعدية رضوان الله عليها إلى مكة، وهي أقلّ رفيقاتها في الدّابة والمال والحال، وكان نصيبها طفلًا يتيمًا خلافًا لصاحباتها، لكنّ الله جعل البركة لها ومعها وحولها ببركة وجود النّبي عليه الصّلاة والسّلام وإرضاعه، وخيرة الله واختياره خير لنا!
46. ادعى المنافقون أنّهم بنوا مسجد الضّرار لذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة والشّاتية، لكنّ الله كذبهم وفضحهم، فسوق أسباب وجيهة لا يزكي العمل، ولا يبرئ النّية من الشّوائب.
47. حين بنى المنافقون مسجد الضّرار اختاروا له إمامًا حافظًا تقيًا ليس منهم، واستثمروا غفلته عن مرادهم! وعلى كلّ مؤمن أن يحذر من استخدامه جسرًا أو مطيّة أو غطاء!
48. بعض النّخب والوجهاء من كفار قريش لم يوافقوا قومهم على جورهم وإيذائهم للنّبي وصحبه، وإنّ مصداقية نخبويتك ووجاهتك تظهر في مواقفك مع العدل، وحسن العهد، والخلق النّبيل، بغض النّظر عن الحب والبغض.
49. من أعظم الجنائز جنازة عبد الله ذي البجادين المزني، حفر قبره الرّسول عليه السّلام وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم، وهيأه النّبي داخل قبره بعد أن دلّاه العمران، ودعى له بالرّضوان، وإنّه ليغبط.
50. المؤمن لا يخون دينه وبلاده وقومه، ولذلك حين قال ملك غسّان في رسالته لكعب بن مالك رضي الله عنه: الحق بنا نواسك! كان جوابه الفصيح تسجير الرّقعة في التّنور، فمهما اختلفنا لا مكان للعدو والغريب في شؤننا.
51. استفهم النّبي عليه الصّلاة والسّلام من فتيان قريش عن عدد ما ينحرونه من الإبل يوميًا فأخبروه، فعرف أن تعدادهم في معركة بدر بين التّسعمئة والألف. الإحصاء والاستقراء مجلبتان للمعلومة، وامتلاك المعلومة قوّة.
52. مشاركة النّاس في مناسباتهم، والتّعبير الّلفظي والعملي عن مشاعرك، حسنة ولطف وأثر يبقى، ولذلك لم ينس كعب بن مالك لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما، قيامه وتحيته وتهنئته بتوبة الله على كعب.
53. كم من مشرك كره النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ انقلب البغض إلى حب شديد بمجرد رؤية الجناب الكريم، أو حدوث أوّل موقف معه، فسبحان القدير الذي جعل للصّالحين المصلحين مودّة في القلوب.
54. يمارس السّياسي المسلم أعماله وفي ذهنه تحقيق المصالح الشّرعية العليا العامة، ودفع الضّرر أو تخفيفه، ولذلك يعاهد، ويحالف، ويسالم، ويوالي، ويعادي، ويحارب، وكلّ ذلك بإرادته المستقلة.
55. سأل النّبي عليه السّلام وفدًا من العرب عن سر انتصاراتهم في الجاهلية فقالوا: كنّا نجتمع ولا نفترق، ولا نبدأ أحدًا بظلم!
56. لم يوقر الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا مقام النّبوة، ولا بيته، فما ظنّكم بسلوكهم مع مقام دونه، ومع باقي البيوت؟!
57. في خطبة حجّة الوداع ذكر النّبي عليه السّلام شهر رجب بطريقة لا لبس فيها، فهو رجب مضر، وهو الواقع بين شعبان وجمادى! ليكن أمرك واضحًا وأنت قائد، وتعليمك كاملًا وأنت معلّم.
58. بعث النّبي عليه السّلام سفراءه، ومنهم دحيّة لقيصر، فقال له: اسمع بذل، ثمّ أجب بنصح، فإنّك إن لم تذلل لم تفهم، وإن لم تنصح لم تنصف!
59. بعد وفاة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ارتدت العرب، واشرأبت اليهود والنّصارى، وانتفخ النّفاق، وصار المسلمون كغنم مطيرة في ليلة شاتية! فجمعهم الله بأبي بكر والمهاجرين والأنصار، فللسّابقين مواقف ومواقع.
60. العمل المؤسسي يقوم على مبادئ ونظم لا على أشخاص مهما كانت منزلتهم عالية.
61. في السّيرة المحمّدية فقه، وسياسة، واقتصاد، وتربية، وتعليم، وجهاد، ومجتمع، وعلاقات دوليّة، وإدارة، وما أحوجنا لها أيًا كانت مواقعنا.
62. جعل الله نبيه بشرًا كغيره في الجبلّة البشريّة، يأكل وينام ويتزوج ويطلق ويبيع ويشتري، وهكذا من سار على دربه من العلماء والدّعاة والمصلحين.
63. مات النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يعمّر كثيرًا، وقضى ثلث عمره تقريبًا في النّبوة، وبإمكان كلّ ذي رسالة أن يبلغها ويجتهد في ذلك، ومن الله العون والسّداد.
وليست هذه كل ما في السّيرة الطّاهرة من فوائد ودروس وعبر، وإنّي لآمل أن ينهض القارئ إلى كتاب مختصر أو متوسط أو مطول، في السّيرة، أو الهدي، أو الشّمائل، أو الدّلائل، فيقرأ منه، ويفيد من حوله، فو الله إنّها لمنقصة عظيمة ألّا تعرف أجيالنا عن رسولنا عليه الصّلاة والسّلام إلّا اسمه وربمّا الأوّل فقط!
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض ahmalassaf@
الأربعاء 12 من شهر ذي القعدة الحرام عام 1439
25 من شهر يوليو عام 2018م
Posted on الإثنين الموافق 6 أوت عام 2018م by المدونون
فضل تربية البنات في السنة النبوية
البنات نعمة من نعم الله ـ عز وجل ـ علينا، متى ما قمنا بما افترضه الله علينا من الإحسان إليهن، ومن المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا لا يحبون البنات، ويترقبون الأولاد، للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حياتهم وحروبهم، أما البنت فكانوا لا يحبونها، وكان عدم حبهم لها والخوف من عارها يحمل بعضهم على كراهتها بل وعلى قتلها ووأْدِها، كما قال الله تعالى ـ عن ذلك: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }(النحل الآية 58: 59)، وقال: { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }(التكوير الآية: 8: 9) .
حتى بعث الله نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجرَّم وحرم هذه الفِعلة الشنعاء وهي وأد البنات، فعن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إنَّ الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، وَمَنْعاً وهات، ووَأد البنات، وكَرِهَ لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) رواه البخاري .
قال ابن حجر في ” فتح الباري”: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ووَأدَ البنات ) هو دفن البنات بالحياة, وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن ” .
وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها ـ يعني الذكَرَ ـ أدخلَه اللهُ بها الجنة ) رواه أحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ أحمد شاكر ..
وهذان الحديثان وما جاء في معناهما يدلان صراحة على أنَّ البنات كنَّ محلاً لجهالات وبُغض بعض العرب إبان بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
لم يكتفِ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنهي الشديد عن وأد البنات، بل جاء معتنياً بهن، بغية تصحيح مسار البشرية وإعادتها إلى طريق الإنسانية والرحمة، وتكريماً للبنات وحماية لهن، وحفظاً لحقوقهن، بل وأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة بالإحسان إليهن، ووعد من يرعاهن ويحسن إليهن بالأجر الجزيل والمنزلة العالية، ومن ذلك :
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَنْ عال جارتين (بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) رواه مسلم .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( دخلتْ امرأةٌ معها ابنتانِ لها تسأَل (فقيرة)، فلم تجدْ عندي شيئًا غيرَ تمرةٍ، فأَعطيتُهَا إيَّاها، فَقَسَمَتْهَا بينَ ابنتيْها ولم تأكُلْ منها، ثم قامتْ فخرجتْ، فدخلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا فأخبرته، فقال: من ابْتُلِي من هذهِ البناتِ بشيٍء كُنَّ لهُ سِترًا من النار ) رواه البخاري .
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ – وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة )، وفي رواية الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم يحدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عددا من البنات، فقال: ( مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كُنَّ له حجاباً من النَّار ) .
قال النووي: ” قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من ابتلي بِشَيءٍ من البناتِ ) إِنَّمَا سَمَّاهُ اِبْتِلاء لأَنَّ النَّاس يَكْرَهُونَهُنَّ في الْعَادَ،ة وَقَالَ اللَّه تعالَى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم }( النحل الآية 58) ” .
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ ) رواه الترمذي .
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث: ( أو ) للتنويع لا للشك، ففي رواية جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بناتٍ يُؤدِّبُهنَّ ويرحَمُهنَّ ويكفُلُهنَّ وجَبَت له الجنَّةُ ألبتةَ، قيل يا رسولَ اللهِ: فإن كانتا اثنتينِ؟، قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قال: واحدةً، لقال: واحدة ) رواه أحمد وصححه الألباني .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( ليسَ أَحَدٌ من أمتي يعولُ ثلاثَ بنات، أو ثلاثَ أخوات، فيُحْسِنَ إليهنَّ إلا كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
قال المباركفوري: ” واختُلِفَ في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب، أو بما زاد عليه؟، والظاهر الثاني، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره ” .
وفي هذه الأحاديث تأكيد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حق البنات على آبائهم أو من يقوم على تربيتهن، وذلك لما فيهن من الضعف غالباً عن القيام بمصالح أنفسهن، وليست القضية طعاماً ولباساً وتزويجاً فقط، بل أدباً ورحمة، وحسن تربية واتقاءً للهِ فيهنَّ، فالعَوْل في الغالب يكون بالقيام بمئونة البدن، من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح، بالتعليم والتهذيب والتوجيه، والأمر بالخير والنهي عن الشر، وحسن التربية، وهذه فائدة جمع الروايات في الحديث .
قال النووي: ” ومعنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما ” .
وقال ابن باز: ” وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات والقيام بشئونهن، رغبةً فيما عند الله ـ عز وجل ـ فإن ذلك من أسباب دخول الجنة والسلامة من النار، ويُرْجَى لمن عال غير البنات من الأخوات والعمات والخالات وغيرهن من ذوي الحاجة فأحسن إليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حق من عال ثلاث بنات، وفضْل الله واسع ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يُرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل .. “، وقال: ” الإحسان للبنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية وتعليمهن، وتنشئتهنّ على الحق، والحرص على عفتهن، وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وبذلك يُعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا ” .
لقد رفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيمة ومنزلة البنات، وجعل لمن رزقه الله بنات بل بنتاً واحدة من الفضائل والمِنح، ما تمتدُّ نحوَها الأعناق، وتهفو إليها القلوب .. فيا عائلاً للبنات، أبشِر بحِجاب من النار، وأبشر بالجَنَّة بصُحْبة النبي المختار ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو القائل: ( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا حتَّى يَبِنَّ أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ – وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) .
Posted on السبت الموافق 28 جويلية عام 2018م by المدونون
أبناؤنا قرة عيوننا، وبهجة نفوسنا، وثمرة حياتنا، ومصدر من مصادر سعادتنا في هذه الحياة.
هم زينة الحياة، ونعمة الإله؛ كما قال جل في علاه: {المال والبنون زينة الحياة}.
ولا يسعد الإنسان مهما كان عنده من أسباب السعادة إلا أن يرى أبناءه سعداء صالحين، مطيعين لربهم، نافعين لأنفسهم ودينهم وأوطانهم. فلا جرم أن يسعى الآباء في سبل إصلاح الأبناء ويأخذوا بكل الأسباب لهذه النتيجة.
وقد جرت سنة الله أن البيوت الصالحة (بحق) يخرج أبناؤها صالحين، وهي حقيقة أثبتها القرآن والواقع، وهو مما استقر في فطر الناس.
أما القرآن فقد قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا}(الأعراف:58).
وأما استقراره في فطر الناس فيدل عليه قول بني إسرائيل لمريم وقد وهبها الله عيسى فقالوا مستنكرين: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}(مريم:28)، فكأنهم يقولون: أنت من بيت طيب طاهر، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة، فكيف صدر هذا منك؟
فالأصل أن صلاح البيت معه صلاح الذرية، غير أن الله قد يخرق هذه العادة، كما قصة نوح وابنه، ليعلم الناس أن الهداية والصلاح بيد الوهاب الفتاح، فتبقى قلوبهم متعلقة به مهما فعلوا وبذلوا، ولتلهج ألسنتهم بدوام الدعاء لهم ولأبنائهم بالهداية والصلاح والسعادة والفلاح.
فضل الدعاء
والدعاء ـ أيها الكريم ـ باب من أعظم الأبواب التي يدخل بها المسلم على ربه، ويحقق من خلاله رغباته وأمنياته، فالله كريم يحب أن يسأل:
الله يغضب إن تركت سؤاله .. وبني آدم حين يسأل يغضب
إن للدعاء أثرا كبيرا في حياة المسلم عموما، وفي صلاح الأبناء خصوصا، ذلك أن دعوة الوالد لولده مستجابة.. قال عليه الصلاة والسلام: [ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة والولد لولده](رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه).
بل كم من دعوة كانت سببا في صلاح هذه الذرية من أصلها، وحلول البركة فيها.
وهذا كتاب الله يعلمنا ويبين لنا ويدلنا على هذا السبيل، وكيف أنه سبيل أصلح الناس وأهداهم وأقدرهم على تربية أبنائهم، ولكنهم يلجؤون إلى الله ويسألونه صلاح ذريتهم.
هذا إبراهيم خليل الله يدعو ربه وقد كبرت سنه أن يهبه ذرية ولكن أي ذرية؟ {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِين}(الصافات:100).
فماذا كانت النتيجة؟ {فبشرناه بغلام حليم}، وأتته الملائكة مبشرين: {إنا نبشرك بغلام عليم}، وفي سورة هود: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}(هود:71).
فهل توقف عن الدعاء لهم؟
لا.. بل ظل يسأل الله لهم لخير واليمان {رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}(إبراهيم:35)، {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}(إبراهيم:40)، {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}(البقرة:128).
وهذا زكريا نبي الله يدعو ربه بالذرية فيقول: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}(آل عمران:38).
ما وصف هذه الذرية: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}(مريم:5، 6)
وإنما كان يطلب من يرث النبوة والهداية ودعوة الناس إلى الله وإلى طريق الهدى والنور، فمن المعلوم أن الأنبياء لا يورثون، وما تركوه صدقة، فأراد وراثة النبوة والدين.
فاستجاب الله دعاءه وبشره: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا}(مريم:7)، أما صفات هذا الغلام: {يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}(مريم:12ـ15).. فكانت كل هذه البركة في يحيى بسبب دعاء أبيه له.
والأم أيضا
وحتى لا يظن أحد أن الدعوة خاصة بالرجال فقط ذكر لنا القرآن مثلا فريدا لصلاح المرأة ودعائها لأبنائها وذريتها، وأثر هذا الدعاء على الذرية في قصة امرأة عمران أم مريم، وكيف أنها كانت تدعو لجنينها في بطنها وتهبه لخدمة بيت ربها {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(آل عمران:35)، فلما خرج المولود أنثى لم يمنعها هذا أن تهبها لخدمة بيت المقدس وأن تدعو ربها ليحفظها وينبتها نباتا حسنا بل دعت بما هو أكبر من ذلك فقالت: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(آل عمران:36).
فاستجاب الله دعاءها، وبارك في ابنتها، واصطفاها على نساء العالمين، واختارها لتكون فيها آية من آياته الكبرى بأن وهبها عيسى بكلمة منه دون أب، وأعاذها وابنها من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل. كل ذلك ببركة دعاء الأم الصالحة المباركة.
السنة والدعاء للذرية:
والسنة الميمونة تسير على نهج القرآن، والنبي الكريم تطبيق عملي لكل خير، فكان عليه الصلاة والسلام يدعو لابنته فاطمة وزوجها علي بن أبي طالب، ويدعو لحفيديه الحسن والحسين، ولأبناء المسلمين:
دعا لأنس بن مالك بالبركة في ماله وولده؛ فكان من أكثر الناس مالا، وبلغ أولاده وأحفاده قرابة المائة نفس، وحلب بماله البركة فكان زرعه ينتج في العام مرتين.
وكان المسلمون يأتونه بأبنائهم فيحنكهم ويسميهم ويدعو لهم بالبركة.
وقد علم كل أب وأم أن يدعوا لأبنائهما، ولا يبخلا بالدعاء لهم، ولو في أسعد الأوقات، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا](متفق عليه).
هدي الصالحين
وعباد الله الصالحون وصفهم الله في قرآنه المجيد فذك من أوصافهم {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}(الفرقان:74).
فهم يدعون الله تعالى أن يقر أعينهم بأزواجهم وذرياتهم، وقرة العين هذه لا تكون إلا بأن يكونوا على ما يحب الله من الإيمان والرشاد والهداية والسداد.. ثم هم يدعون لهم ولأنفسهم، ليس فقط أن يكونوا متقين، بل أن يكونوا من أئمة المتقين.
فأكثروا من الدعاء لأبنائكم، وألحوا على ربكم بأن يهبهم الصلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.
ملاحظتان هامتان
وأحب أن أسجل هنا ملاحظتين: الأولى: أسمع أولادك الدعاء أحيانا:
إذا دعوت لولدك فأسمعه دعاءك أحيانا، فإن قولك له: “اسأل الله أن يفتح عليك فتوح العارفين”، أو “أسأل الله أن يرضى عنك”، أو “أن يحبك مع عباده الذين يحبهم ويحبونه”.. هذا الكلام يسري في روحه، ويملأ قلبه بمحبتك لما يرى من حرصك عليه وحبك له وحب الخير له، ويشجعه أن يكون أهلا لدعائك، وأن يعمل ليحقق ذلك.
ثانيا: إياك ثم إياك أن تدعو على أبنائك:
مهما أساؤوا، أو أخطؤوا، أو كسروا، أو أزعجوا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن دعوة الوالد لولده أو عليه مستجابة، ففي سنن الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٍ لا شكَّ فيهنَّ: دعوةُ المظلومِ ودعوةُ المسافرِ ودعوةُ الوالدِ على ولدِه].
ولأنه ربما توافق دعوة الأب أو الأم على الولد ساعة إجابة فيهلك الولد، فحذرنا عليه الصلاة والسلام من ذلك أشد التحذير فقال كما في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكُم، ولا تدعوا على أموالكُم، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم](رواه مسلم).
فكم من دعوة خرجت من أب أو أم على أحد الأبناء فصادفت ساعة إجابة فكانت سببا في ضلال أو ضياع أو عقوق أو حتى موت.
جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك يشكو عقوق ولده. فقال له ابن المبارك: أكنت تدعو عليه؟ قال: نعم. قال. أنت أفسدته.
وانظر إلى هذا الرجل وقارن بينه وبين الفضيل بن عياض الذي كان يدعو الله لولده، ويقول: اللهم إني اجتهدت في تربية ابني علي فلم أقدر، فربه أنت لي. فكان ابنه من أفضل الناس، وأعبدهم، وأخوفهم من ربه سبحانه.
فعود نفسك أن تدعو له بدلا من أن تدعو عليه، فإذا فعل ما يغضبك فادع له: الله يهديك، الله يصلحك، الله يتوب عليك. فإن صادفت إجابة سعد بدعوتك، وسعدت أنت بهدايته.
اللهم أصلح أبناءنا وأبناء المسلمين، وأنبتهم نباتا حسنا يا أكرم الأكرمين.