Posted on الجمعة الموافق 31 ماي عام 2019م by المدونون
صدقتك سنابل خير في رمضان
فاطمة الأمير
بسم الله الرحمن الرحيم
يا معشر التجار وزراع الخير، ها هو الشهر أقبل عليكم، وبفيض الله ونفحاته حلَّت البركة علينا وعليكم، فالخير سيكون لنا إذا اغتنمنا من كل العبادات، وطرقنا أبواب ربِّ الرحمات نبتغي القبول والجزاء من حسن ما وفَّقنا الله لأداء العبادات.
فشهر رمضان شهر الجود والإنفاق، شهر النفوس السخية، والأكُف الندية؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان”؛ (رواه البخاري).
فإذا كنت زارعًا لسنابل الخير في رمضان؛ فهنيئًا لك بما سُجل لك من الحسنات؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
هل علمت ما هي العبادة التي يتضاعف أجرها وثوابها؟ إنها الصدقة، فإذا كان الدعاء والصيام متلازمين، فإن رمضان والصدقة لا يفترقان؛ فهي عبادة مضاعفة إلى ما شاء الله، والصدقة أداؤها عظيم في سائر الشهور والأيام، فكيف بها إذا أُخرجت في رمضان، وتحلَّت بشرف الزمان، ومضاعفة الثواب بها، فإذا كانت الأعمال تتباهى بصاحبها، فالصدقة من أعظم العبادات، فتتباهى بصاحبها وتفخر على غيرها من الأعمال والعبادات؛ يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم”.
ولنعلم أخي الصائم أن في إخراج الصدقة ترقيقًا للقلوب، وسعادة للنفس، فإن أخرجنا الصدقة، فلتكن ابتغاءً لوجه الله تعالى، ولا تجعلها مفاخرة بين الناس؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264].
فلنحرص على إخفاء الصدقة؛ لكيلا يكون في إخراجها رياء أو مفاخرة، أو أن يكون في إخراجها أذى قد يقع في نفس المتصدق عليه، بل جمِّل صدقتك بابتسامة رقيقة عذبة مع تغليفها بأجمل العبارات التي تقع في نفس آخذها، فتكون قد جمعت بين عبادة الصدقة، وعبادة صلة الرحم، والتودد إلى القلوب، ولننظر إلى عِظَم أجر الصدقة وكيف أن عطاءها فيه الخير لكل معطى لها، ومن الأحاديث الدالة على عِظَم أجر الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم: “ما تصدق أحدٌ بصدقة من طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – إلا أخذها الرحمن بيمينه – وإن كان تمرة – فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل؛ كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله”.
فلا يجوز للمسلم أن يتصدق إلا من طيب ما كسب، فهذه تمرة نتصدق بها، فإذا بها تكون في كف الرحمن أعظم من الجبل، والصدقة تزيل الخطايا وتدفع عنا البلاء والوباء والمرض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا”؛ (صحيح ابن حبان وحسنه الألباني).
إن الله جعل الصدقة بابًا يمحو به الخطايا والذنوب، وسدًّا وحصنًا منيعًا ضد هفوات النفس ومداخل الشيطان، حتى وإن كان صاحبها ظالِمًا، فإنها تدفع عنه ما تكاتل عليه من الهموم والبلاء والأمراض، وفي منعها مضرة للعبد، وتكاثر للمحن، والشدائد عليه؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (الصدقة تفدي العبدَ مِن عذاب الله، فإنَّ ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه، فتجيء الصدقة تفديه من العذاب، وتفكُّه منه)؛ الوابل الصيب (٧٣).
فادفع أخي الصائم عن نفسك وأهل بيتك بالصدقة، وحارب الابتلاء إذا اشتد عليك بالصدقة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأنفق من مال الله بسخاء، تكثُر عليك نفحات الله، واعلم أننا أحوج إلى إخراج الصدقة من آخذها، ولا تنسَ أن تتصدَّق بأجمل ما لديك؛ ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]، فكلما أنفقت أُنفِقَ عليك من خزائن رحمته، وواسع كرمه وجودة، فإنه الكريم الذي إذا أعطى، أعطى بسخاء، وهذا في قوله عز وجل في الحديث القدسي: “يا بن آدم، أَنفقْ أُنفقْ عليك”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “ما فتح رجل باب عطية بصدقة أو صلة، إلا زاده الله بها كثرةً”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “ما مِن يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا”؛ ( متفق عليه).
وأعمال الصدقة كثيرة في رمضان؛ منها: إطعام الطعام؛ قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 8 – 12]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمنًا على ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم”؛ (صحَّحه الألباني).
أتريد الجنة؟ أتريد أن يطعمك الله من ثمارها؟ هيَّا إخوتي في الله، فلنتصدق من مال الله، هيا لنكفل أسرة، فهناك الكثير من المسلمين والمحتاجين والفقراء، جوعى وعطشى، فكن يد الخير والأمل التي تمتد إليهم، وتزيل عن أطفالهم آهات الجوع، كن لهم سنبلة خيرٍ، فيتضاعف لك الأجر والثواب مما أنفقت.
وأما تفطير الصائمين فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: “مَن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”؛ (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
ولا تحقرن من المعروف شيئًا: تعين الرجل على دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة، وهذه أوجه كثيرة من سنابل الخير وإخراج الصدقة، وشربة ماء تضعها لطائر أو حيوان في رمد الحر تبتغي بها وجه الله تكون في ميزانك صدقة.
المهم أن تُخرج صدقتك مما تحب، فهذا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يتصدق على من يقابله بالسكر، فكان يحمل قطعة سكر في جيبه ويتصدق بها، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: قال الله عز وجل: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وأنا أحب السكر.
ومن فوائد الصدقة وإكثارك من إخراج سنابل الخير في شهر رمضان:
• أنها وقاية من عذاب النار؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر النساء، تصدقنَ ولو مِن حُليكنَّ؛ فإني رأيتكنَّ أكثر حطب جهنم، فقامت امرأة منهن سفعاء الخدين، فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال: لأنكن تُكثرنَ الشكاة، وتكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدهر كله، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط”، ففي هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمات بالصدقة، والمرء في ظل صدقته يوم القيامة تدفع عنه بها حرَّ النار، سواء كان ذكرًا أو أنثى.
• أنها تدفع عنا البلاء والوباء والمرض بإذن الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “داووا مرضاكم بالصدقة”؛ (حسنه الألباني في صحيح الجامع).
وأيضًا لها أثر طيب في قبول الدعوات، وقد أكد ابن القيم أن للصدقة أثرًا عجيبًا في قبول الدعاء، وفي فعل المعروف أيًّا كان، (فصنائع المعروف تقي مصارع السوء).
• زيادة في الرزق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما نقص مالٌ من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده”، فإذا أردت زيادةً ومضاعفة لسنابلك في رمضان، فلتُكثر من إخراج الصدقات.
• الصدقة سبب لدخول الجنة: عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن قال: لا إله إلا الله، خُتِم له بها دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاءَ وجه الله خُتِم له به دخلَ الجنة، ومَن تصدَّق بصدقةٍ ابتغاءَ وجه الله، خُتِم له بها دخل الجنة “؛ (صححه الألباني).
• واحتساب النفقة على أهل بيتك صدقة؛ عن عقبة بن عمرو رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أنفق الرجلُ على أهلِه نفقةً وهو يحتَسِبُها، كانت له صدقةً”؛ (صححه الألباني).
• ويوم يضم عليك القبر لا يوسعه عليك إلا الصدقة، يوم تدنو الشمس من الرؤوس، ويبلغ الكرب النفوس، فتكون يوم القيامة في ظل صدقتك تُزيل بها عنك أهوال هذا اليوم.
• ويقول النبي أيضًا في فضل الصدقة: “الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة الرحم”؛ فلنجمع إخوتي في الله بين العبادتين، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح)؛ أي: الذي يُضمر لك الكره والعداوة، فلنُكثِر من الصدقة إخوتي في الله، فالجنة سلعة غالية، وما أعده الله للصائم فيها يجعلنا ننفق بسخاء؛ روِي عن النبي أنه قال: (إن في الجنة غرفًا يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام، وصلى والناس نيامٌ).
هيَّا لنكن من أصحاب الهِمم العالية والغايات السامية، لنكن يد العون التي تمتد إلى كل نفس تعففت في طلب السؤال، وكتمتْ آهات الذل والفقر والجوع، ابحثوا عمن لا يسألون الناس إلحافًا، قدموا الخير لأنفسكم، ورققوا القلوب، وخفِّفوا من معالم البؤس والحزن في النفوس؛ ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [البقرة: 272].
Posted on الأربعاء الموافق 29 ماي عام 2019م by المدونون
إدخال السرور على المسلمين .. فن النفوس الطاهرة
25 رجب 1428
د. خالد رُوشه – Khaled_rousha@yahoo.com
إنها سعادة غامرة تلك التي يستشعرها المرء عندما يسعد الآخرين أو يشارك في إسعادهم أو تخفيف آلامهم ..سعادة لا تحس بها إلا النفوس الطاهرة النقية , التي رجاؤها دوما وجه ربها وسعيها دوما هو في طرقات الخير المضيئة .
إن الحياة كد وتعب ومشقة وصعاب ومشكلات واختبارات وآلام , وما يصفو منها ما يلبث أن يتكدر , وليس فيها من أوقات صفاء رائق إلا أوقات العبادة المخلصة لرب العالمين سبحانه.
والناس ..كل الناس بحاجة إلى يد حانية , تربت على أكتافهم في أوقات المصائب , وتقوم انكسارهم في أوقات الآلام , وتبلل ريقهم بماء رقراق عند جفاف الحلوق..
ومن طالت به خبرته بالحياة علم أن أعلى الناس فيها قدرا هم الناصحون لغيرهم بالعلم النافع والمفرجون كرب الناس والميسرون على المعسرين والباذلون جهدهم لإسعاد غيرهم.
وانظر إلى ذلك الموقف الرائع يوم استضاف أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا وأراد أن يكرمه ويدخل السرور عليه وكان طعامه قليلا , فأطفأ المصباح وتصنع أنه يأكل حتى انتهى ضيفه من طعامه وشبع , وإذا بالقرآن ينزل ليسجل حادثة هي قليلة في أعين الناس كبيرة في ميزان المروءات والمبادىء والمعاني لذا رفع الله درجتها فقال ” ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ” , إنهم فضلوا شبع بطن ضيفهم على شبع بطونهم , وقدموا سرور صاحبهم المسلم على سرور ذواتهم , وإن كانت ذواتهم قد نعمت بنوع آخر من السرور هو أعلى وأكبر ..
وتذكر معي ذالك الصحابي الآخر الذي اسرع بكل قوته ليبشر الثلاثة الذين خلفوا بعفو الله عنهم وصدره يمتلىء حبا وفرحا وسعادة وسرورا حتى إنه لم ينتظر حتى يصل إليهم بل بدأ يناديهم من بعيد من على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك ابشر… يقول كعب : فخررت ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قِبَلَ صاحبيّ مبشرون وركد إلى رجل فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياه ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ فاستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ، ثم قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك “
فانظر إلى ذاك البشر والسرور الذي على محيا النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بعد علمهم بالخير الذي نزل بصاحبهم ..رضوان الله عليهم أجمعين .
وبينا أنت تتأمل تلك المواقف طالع هذا الحديث الثابت من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول عن أبي هريرة رضي الله عنه : (إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن, وأن يفرِّج عنه غمًا, أو يقضي عنه دينًا, أو يطعمه من جوع) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان, وحسنه الألباني في الصحيحة 1494.
وفي رواية للطبراني ” ” إن أحب الاعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض : إدخال السرور على المسلم ، كسوت عورته ، أو أشبعت جوعته ، أو قضيت حاجته “
وللطبراني أيضا عن عائشة رضي الله عنها ” من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله ثوابا دون الجنة ”
وله عن أنس رضي الله عنه قال ” ” مَن لَقيَ أخاهُ المُسلِمَ بِما يُحِبّ لِيَسُرَّهُ بِذلك ، سَرّهُ اللّهُ عزّ وجَلّ يومَ القِيامةِ”
وفي الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم ” من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه “
إنها عبادة إذن أيها القارىء الكريم , ما إن يستصحب العبد فيها نية صالحة , إنها من أحب الأعمال إلى الله تعالى ..فتأمل
إن مجتمعاتنا تلك – التي تعيش الآن في صراعات متشابكة على المصالح الشخصية – لفقيرة إلى فهم ذلك المعنى العظيم , الذي يصرخ فينا أن سارعوا إلى الرفق بالناس وتفريج الكرب عنهم وتخفيف آلامهم وإطعام جائعهم وقضاء الدين عن مدينهم , وإهداء السرور لحزينهم ..
ويوم يتعلم الدعاة إلى الله معنى إدخال السرور على المسلم ويطبقون مقتضاه سيضربون المثال الحي لمجتمع افتقدناه عبر سنين طويله ..
وماأروع هؤلاء الصالحين ذوو النفوس الطاهرة الذين يسعون دوما في إدخال السرور على إخوانهم , فيسألون عن أحوالهم ويسارعون في نجدة ملهوفهم , ومداواة مريضهم وحل مشكلاتهم مهما كلفهم ذلك , تعبا في أجسادهم أو بذلا من أموالهم أو شغلا في أوقاتهم , رجاء بسمة سرور ورضا من هذا الحزين بعد زوال حزنه , فيسرها الصالح في نفسه ليعدها في صالحات أعماله يوم اللقاء .
ولكم بذل نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم من نفسه الجهد رجاء نفع الناس وإسعادهم في الدنيا والآخرة ففي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدًا؟ قالت: نعم, بعدما حَطَمه الناس ” اخرجه مسلم
قال القاسمي رحمه الله: “وللأخوة حق في قضاء الحاجات والقيام بها قبل السؤال وتقديمها على الحاجات الخاصة وهذه أيضًا لها درجات فأدناها: القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة ولكن مع البشاشة والاستبشار وإظهار الفرح وقبول المنة, قال بعضهم: إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكره الثانية فلعله أن يكون قد نسي, فإن لم يقضها فكبر عليه واقرأ هذه الآية: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ}, وكان في السلف من يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجاتهم يتردد كل يوم إليهم ويمونهم من ماله, فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه, بل كانوا يرون منهم ما لم يروا من أبيهم في حياته, وكان أحدهم يتردد إلى باب دار أخيه يقوم بحاجته من حيث لا يعرفه أخوه, وبهذا تظهر الشفقة والأخوة, وإذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما يشفق على نفسه فلا خير فيها, قال ميمون بن مهران: من لم تنتفع بصداقته لم تضرك عداوته, وبالجملة فينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهم من حاجتك, وأن تكون متفقدًا لأوقات الحاجة غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك, وتغنيه عن السؤال إلى الاستعانة, ولا ترى لنفسك حقًا بسبب قيامك بها, بل تتقلد منه بقبول سعيك في حقه وقيامك بأمره” تهذيب موعظة المؤمنين.
و سُئِلَ الإمام مالك : “أي الأعمال تحب ؟” فقال: “إدخال السرور على المسلمين، وأنا نَذَرتُ نفسي أُفرِج كُرُبات المسلمين”.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له, فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان معه فضلُ ظهر فليعُد به على من لا ظهر له, ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له), فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضل” رواه مسلم
والصالح لن يعدم طريقا لإدخال السرور على أخيه المسلم , في تبشيره بالبشرى تارة أو إخباره بأخبار الخير التي ينتظرها تارة أو بقضاء دينه أو بالهدية أو بإخباره أنه يحبه في الله أو بإكرام أهله وولده وصحبه أوبتعليمه العلم النافع له أو بتوقيره بين الناس أو بالمسارعة في محباته دوما وبأي حالأو بنصحه فيما هو بصدده و غيرها كثير جدًا وهي معلومة معروفة ولكننا فقط نذكر وقد يكون إدخال السرور على المسلم بكلمة خير واحدة أو ببسمة رائقة أو بمصافحة مقبلة فتأمل ذلك.
Posted on الأربعاء الموافق 29 ماي عام 2019م by المدونون
تحقق البركة في فضل الصدقة
د. بدر عبد الحميد هميسه
بسم الله الرحمن الرحيم
(جزا الله الخير من ينشر الموضوع)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
وبعد .. ؛
فإن من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى الصدقة على الفقراء والمحتاجين ، وهي دليل على صحة إيمان العبد بربه ، ويقينه بأن الرزق بيد الله تعالى وحده ، قال تعالى : ” قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ .. (24) سورة سبأ.
فالمال ميال بالقلوب وحاجب لها عن رؤية ما ينتظر العبد من جزاء ، وحاجب لها عن رؤية ما لله تعالى من نعم ومنن عليه تستوجب الشكر ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فِي ابن ادَمَ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِئَهِ سُلاَمَى، أوْ عَظْمٌ، أوْ مِفْصَلٌ، عَلَى كُلِّ واحِدٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَة ، كُلُّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ صَدَقَةٌ ، وَعَوْنُ الرَّجُلِ أخَاهُ صَدَقَةٌ، وَالشَّرْبَةُ مِنَ الْماءِ يَسقِيهَا صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ. أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) 422.
والمؤمن يدرك قيمة التكافل وأنه لا يعيش لنفسه فقط وأن عليه أن يعطي الفقراء والمحتاجين من مال الله الذي هو مستخلف عليه ، قال تعالى : ” آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) سورة الحديد ، عن أبي سعيد الخدري قال:بينما نحن معِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر؛ إذ جاء رجل على ناقة له،فجعل يَصْرِفُها يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” من كان عنده فَضْل ظَهْرٍ ؛ فليَعدْ به على مَنْ لا ظهر له. ومن كان عنده فَضْلُ زادٍ؛ فَلْيَعدْ به على مَنْ لا زادَ له “، حتى ظننا أنه لا حَقَّ لأحد منَّا في الفَضْلِ. صحيح سنن أبي داود 5/360.
قال الشاعر :
كريم كريم الأمهــــات مهذب * * * تدفق يمناه الندى وشمائله
هو البحر من أى الجهات أتيته * * * فلجته المعروف والجود ساحله
جواد بسيط الكف حتى لو أنه * * * دعاها لقبض لم تجبه أنامله
والعاقل هو من ينافس في حب الخير ، وفي التصدق على المحتاجين ، عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :«لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَينِ ، رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرآن فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاء اللَّيلِ وَآنَاء النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقهُ آناء اللَّيلِ وَآناء النَّهَار». ابن حبان ( 3323 ) تعليق الألباني “صحيح” ، تعليق شعيب الأرنؤوط “إسناده صحيح على شرط مسلم”.
لذا حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته رجالاً ونساءً على التصدق ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقال : يَا رَسُولَ الله ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ : أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ ، أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ ، تَخْشَى الْفَقْرَ ، وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ ، وَلاَ تَمَهَّلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ، قُلْتَ : لِفُلاَنٍ كَذَا ، وَلِفُلاَنٍ كَذَا ، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ. أخرجه أحمد 2/231(7159) و”البُخاري” 1419 و”مسلم” 2346 .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم – في أضحى أو فطر – إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال : أيها الناس تصدقوا فمرَّ على النساء فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار … فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه ، فقيل : يا رسول الله هذه زينب فقال : أي الزيانب ؟ فقيل : امرأة ابن مسعود ، قال : نعم ، ائذنوا لها ، فأذن لها ، قالت : يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة ، وكان عندي حلي لي ، فأردت أن أتصدق به ، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ابن مسعود ، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم . رواه البخاري ( 1393 ) ومسلم ( 80 ) .
والصدقة في الإسلام فضلها عظيم وأثرها عميم ولها أخلاق وآداب .
أولاً : من فضائل الصدقة : 1- الصدقة برهان ودليل على إيمان العبد :
وصف الله تعالى المؤمنين المتقين في أوائل آيات المصحف وفي بداية سورة البقرة فقال سبحانه: ” الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) سورة البقرة .
فكان من صفات أهل الإيمان واليقين أنهم يؤدون ما عليهم من صدقات وزكوات ابتغاء مرضاة الله تعالى لان في ذلك هدى وضياء لهم وسط ظلمات الحياة ، عن أبي الحارث بن عاصم الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم”الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله، تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو حجة عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها” أخرجه مسلم في صحيحه، ،(3/100). الألباني حديث رقم : 3957 في صحيح الجامع .
قال النووي : معناه أنه يفزع إليها كما يفزع للبراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت له صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول: تصدقت به، وقال غيره: معناه أن الصدقة حجة على إيمان فاعلها لأن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على قوة إيمانه والله أعلم. شرح الاربعين النووية 22.
وقال القزويني : الصدقة برهان على جزم المتصدق بوجود الآخرة وما تتضمنه من المجازات لأن المال محبوب للنفوس المنصفة بالخواص الطبيعية فلا يقدر على بذل المال ما لم يصدق بانتفاعها فيما بعد بثمرات ما يبذله وفوزها بالعوض وحصول السلامة من ضرر متوقع بسبب فعل قرنت به عقوبة . المناوي : فيض القدير 4/290.
روى عن حَيْوَة بن شريح التجيبي، الفقيه، المحدث، الزاهد، وهو من رواة الحديث الثقات، كان يأخذ عطاءه في السنة ستين ديناراً، فلا يفارق ذلك المكان الذي أخذ فيه العطاء حتى يتصدق بها جميعاً، فكان إذا جاء إلى منزله وجد الستين ديناراً، تحت فراشة، فبلغ ذلك ابن عم له، فتصدق لعطائه جميعا أراد أن يفعل مثل حيوة، وجاء إلى تحت فراشه فلم يجد شيئاً! فذهب إلى حيوة وقال: أنا تصدقت بكل عطائي، ولم أجد تحت فراشي شيئاً، فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي يقيناً، وأنت أعطيته تجربة. يعنى: أنت كنت تريد أن تجرب، وتختبر ربك، فتصدقت، لتنظر النتيجة، وأما أنا فأتصدق وأنا راسخ اليقين بما عند الله عز وجلّ من الجزاء والعوض. سير أعلام النبلاء 11/491.
ولقد كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يحب التصدق والإيثار على نفسه، وكان يتصدق بقوته ويبيت طاوياً، فأصبح يوماً وليس في بيته غير درهم واحد، فقالت له زوجته: خذ هذا الدرهم واشتر به دقيقاً نعجن بعضه ونطبخ بعضه للأولاد، فإنهم لا يصبرون على ألم الجوع، فأخذ الدرهم والمزود وخرج إلى السوق، وكان الجو شديد البرودة، فصادفه سائل فتحوله عنه، فلحقه وألح عليه وأقسم عليه، فدفع له الدرهم وبقي في هم وكرب، وفكر كيف يعود إلى الأولاد والزوجة بغير شئ، فمر بسوق البلاط وهم ينشرونه ففتح المزود وملأه من النشارة وربطه وأتى به إلى البيت فوضعه فيه على غفلة من زوجته ثم خرج إلى المسجد فعمدت زوجته إلى المزود ففتحته فإذا فيه دقيق أبيض فعجنت منه وطبخت للأولاد فأكلوا وشبعوا ولعبوا فلما ارتفع النهار جاء أبو مسلم وهو على خوف من امرأته فلما جلس أتته بالمائدة والطعام فأكل، فلما فرغ قال: من أين لكم هذا؟ قالت: من المزود الذي جئت به أمس، فتعجب من ذلك وشكر الله على لطفه وكرمه.
وعن سعيد الحارثي قال: ضرب الربيع بن خثيم الفالج فطال وجعه فاشتهى لحم دجاج، فكف نفسه أربعين يوما. ثم قال لامرأته: اشتهيت لحم دجاج منذ أربعين يوما فكففت نفسي رجاء أن تكف فأبت فقالت له امرأته: سبحان الله وأي شيء هذا حتى تكف نفسك عنه? قد أحله لك. فأرسلت امرأته إلى السوق فاشترت له دجاجة بدرهم ودانقين فذبحتها وشوتها واختبزت له خبزا له أصباغ، ثم جاءت بالخوان حتى وضعته بين يديه، فلما ذهب ليأكل قام سائل على الباب فقال: تصدقوا علي بارك الله فيكم، فكف عن الأكل وقال لامرأته: خذي هذا فلفيه وادفعيه إلى السائل، فقالت امرأته: سبحان الله. فقال: افعلي ما آمرك، قالت: فأنا أصنع ما هو خير له وأحب إليه من هذا. قال: وما هو? قالت: نعطيه ثمن هذا وتأكل أنت شهوتك. قال: قد أحسنت ائتيني بثمنه. قال: فجاءت بثمن الدجاجة والخبز والأصباغ فقال: ضعيه على هذا وادفعيه جميعا إلى السائل.قال الربيع لأهله: اصنعوا لي خبيصا. قال: وكان يكاد لا يشتهي عليهم شيئا. قال: فصنعوه. قال: فأرسل إلى جار له مصاب، قال: فجعل يأكل ولعابه يسيل قال: فقال أهله: ما يدري هذا ما يأكل.
فقال الربيع: لكن الله عز وجل يدري. صفة الصفوة 2/37.
قال الشاعر :
سابِق إلى الخير وبادِر بِهِ * * * فإن مِن خَلفك ما تَعلم
وقَدِّم الخير فُكُلّ امرئ * * * على الذي قَدَّمه يُقْدِم
2-الصدقة سبب لحصول البركة :
والصدقة سبب في حصول الخير ونزول البركة فالله سبحانه يضاعف لمن أدى حق الله في ماله بأضعاف مضاعفه ، قال تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } البقرة / 261 ، 262 .
وقال سبحانه : ” يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) سورة البقرة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله أنفق يا ابن آدم أنفق عليك . رواه البخاري ( 5073 ) ومسلم ( 993 ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً ” .رواه البخاري ( 1374 ) ومسلم ( 1010 ) .
ياقوتُ ما أنتَ يا قوتٌ ولا ذهبُ * * * فكيف تُعجِزُ أقواماً مساكينا
واحسبُ الناس لو اعطوا زكاتهُمُ * * * لما رأيت بني الإعدام شاكِينا
فإن تعِشْ تبصر الباكين قد ضحكوا * * * والضاحكينَ لِفُرطِ الجهل باكينا
لا يتركن قليلَ الخير يفعلُه من * * * نالَ في الأرض تأييداً وتمكينا
عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عن النبيِّ-صلى الله عليه وسلم- قال: “بَينما رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ إذ رأى سَحَابَةً فَسَمِعَ فيها صوتاً: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فجاءَ ذ?لِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ ما فِيهِ في حَرَّةٍ. قالَ: فانْتَهَيْتُ، فإذا فِيهَا أذنابُ شِراجٍ، وإذا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشُّرَجِ قَدِ استَوْعَبَتِ المَاءَ فَسَقَتْهُ، فانْتَهَيْتُ إلى رَجُلٍ قائمٍ يُحَوِّلُ الماءَ بمسحاتِهِ في حَدِيقَةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يا عَبْدَ اللَّهِ، ما اسْمُكَ؟ فقالَ: فلانٌ ـ الاسمُ الذي سَمِعَ في السَّحابةِ ـ قال: كَيْفَ تَسْألُني يا عَبْدَ اللَّهِ عن اسْمِي؟ قالَ: إِنِّي سَمِعْتُ في السَّحابةِ الذي ه?ذا ماؤُهَا يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ باسْمِكَ، فأخبِرْني ما تَصْنَعُ فِيهَا. قالَ: أما إذا قُلْتَ ه?ذا، فإنِّي أَنْظُرُ إلى ما خَرَجَ منها، فَأَصَّدَّقُ بِثُلُثِهِ، وآكُلُ أَنَا وعيالي ثُلُثَهُ، وأُعِيدُ فيها ثُلُثَهُ”. أخرجه ابن حبان في صحيحه (3355، 8/142154) وإسناده صحيح على شرط الشيخين وأخرجه مسلم، الزهد: باب الصدقة(2984)، وأخرجه أحمد في مسنده (2/296).
3-الصدقة سبب للوقاية من الأمراض و الفتن :
والصدقة سبب في حصول السعادة والوقاية من الأمراض والفتن والأحزان ، قال تعالى-: “الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِ?للَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ”[البقرة : 274].
عن حُذَيفةَ -رضي الله عنه- قال: (قال عمرُ -رضي الله عنه-: أيُّكم يَحفَظُ حديثَ رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عنِ الفتنةِ؟ قال: قلتُ أنا أحفظُهُ كما قال. قال: إنَّك عليهِ لَجَرِيءٌ، فكيف؟ قال: قلتُ: فتنةُ الرجلِ في أهلهِ وولدِهِ وجارِهِ تُكفِّرُها الصلاةُ والصدقةُ والمعروفُ ـ قال سليمانُ: قد كانَ يقولُ الصلاةُ والصدقةُ والأمرُ بالمعروفِ والنهي عنِ المنكر ـ قال: ليس هذه أُريدُ، ولكنِّي أُريدُ التي تموجُ كموجِ البحرِ. قال: قلتُ ليس عليكَ بها يا أميرَ المؤمنينَ بأسٌ، بينَكَ وبينَها بابٌ مُغلَقٌ. قال: فيُكْسَرُ البابُ أو يُفتحُ؟ قال: قلت: لا، بل يُكسَرُ. قال: فإنه إذا كُسِرَ لم يُغلَق أبداً. قال: قلت: أجل. قال فَهِبْنَا أن نسألَهُ مَنِ البابُ؟ فقلنا لمَسْرُوقِ: سَلْهُ. قال فسأَلَهُ فقال: عمرُ -رضي الله عنه-. قال: قلنا: فعَلِمَ عمرُ مَن تَعنِي؟ قال: نعم، كما أنَّ دُونَ غدٍ ليلةً. وذلكَ أني حدَّثتُهُ حديثاً ليس بالأغاليطِ» أخرجه البخاري في صحيحه. كتاب الزكاة، باب الصدقة تكفر الخطئية، رقم الحديث(1368، 2/520).
قال الشاعر :
الله أعطاك فابذل من عطيته * * * فالمال عاريّة والعمْر رحالُ
المال كالماء إِنْ تحبس سواقِيَه يأسن * * * وإن يجرِ يعذب منه سلسالُ
روي عن الحسن رضي الله عنه مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : داووا مرضاكم بالصدقة.صحيح الترغيب والترهيب 1/182.
جاء في ( صحيح الترغيب والترهيب ، م 964 ) عن الإمام المحدث البيهقي – رحمه الله تعالى – أنه قال : ( في هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله – رحمه الله – ، فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب ، وبقي فيه قريباً مِن سنة ، فسأل الأستاذ الإمام ” أبا عثمان الصابوني ” أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة ، فدعا له وأكثَرَ الناس التأمين ، فلما كان يوم الجمعة الأخرى ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة ، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها : ” قولي لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين ” ، فجئت بالرقعة إلى الحاكم فأمر بسقاية بُنيت على باب داره وحين فرغوا من بنائها أمر بصب الماء فيها وطرح الجمد في الماء وأخذ الناس في الشرب ، فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين ) .
وجاء في ( سير أعلام النبلاء ، 8 / 407 ) أن رجلاً سأل عبد الله بن المبارك – رحمه الله تعالى – عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين وقد عالجها بأنواع العلاج وسأل الأطباء فلم ينتفع ، فقال له ابن المبارك : ( اذهب واحفر بئراً في مكان يحتاج الناس فيه إلى الماء فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم ) ففعل الرجل ذلك فشفاه الله تعالى .
4-الصدقة سبب لانشراح الصدر :
كما أن الصدقة سبب في انشراح الصدر وسرور النفس قال تعالى : ” وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) سورة البقرة .
وعن عبد الرحمنِ حدَّثَهُ أنهُ سمعَ أبا هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّهُ سمعَ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ:”مثَلُ البَخيلِ والمُنفِقِ كمثَلِ رجُلينِ عليهما جبتانِ من حديدٍ من ثُديهما إلى تراقِيهما. فأمّا المُنفِقُ فلا يُنفِقُ إلا سَبَغَتْ ـ أو وَفَرَتْ ـ على جلدهِ حتَّى تُخْفِيَ بَنانَهُ وتَعفُو أثرَه. وأمّا البخيلُ فلا يُريدُ أن يُنفِقَ شيئاً إلاّ لَزِقَتْ كلُّ حَلْقةٍ مَكانَها، فهوَ يُوسِّعُها ولا تَّتسِعُ” أخرجه البخاري في صحيحه. كتاب الزكاة ، باب مثل المتصدق والبخيل، رقم الحديث(1375، 2/523).
قال الخطابي : وهذا مثل ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- للبخيل والمتصدق، فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما لبس درع يستتر به من سلاح عدوه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدرع أول مايقع على الرأس إلى الثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميهما فجعل المنفق كمن لبس درعاً سابغة، فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه، فكلما أراد لبسها اجتمعت إلى عنقه ، فلزقت ترقوته، والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح وانشرح لها صدره، وطابت نفسه، وتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدثها بها، شحت بها ، فضاق صدره، وانقبضت يداه. انظر : زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، 2/26.
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئ غَضَبَ الرَّبِّ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيْدُ فِي الْعُمرِ ، وَفِعلُ الْمَعْرُوف يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ . شعب الإيمان ( 3442 ) صحيح الجامع ( 3760 ) .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ.أخرجه التِّرْمِذِي (664).
روى ابن الجوزي في كتاب البر والصلة عن عكرمة رحمه الله قال : إن ملكا ممن سبق ، قال لأهل مملكته : إن تصدق أحد بشيء لأقطعن يديه !فجاء رجل إلى امرأة ، فقال : تصدقي علي ، قالت : كيف أتصدق عليك والملك يقطع يدي كل من يتصدق ..قال : أسألك بوجه الله ، لما تصدقت عليّ ، فتصدقت عليه برغيفين ، فعلم بذلك الملك ، فأرسل إليها فقطع يديها .. ثم إن الملك قال لأمه : دليني على امرأة جميلة أتزوجها ؟ قالت : هاهنا امرأة ما رأيت مثلها قط ، ولكن بها عيب شديد ، إنها قطعاء اليد .. فأرسل إليها ، فلما نظر إليها أعجبته ،فقال : أتريدين أن أتزوجك ؟ قالت : نعم .. فتزوجها ، ودخل بها ، فحسدها ضرائر لها ، فخرج الملك يقاتل عدوا ، فكتب ضرائرها إليه أنها فاجرة وقد ولدت غلاما ، فكتب الملك إلى أمه : خذي هذا الغلام ، فاحمليه على عنقها واضربيها ، واخرجيها من الدار إلى الصحراء ، وبينما هي تمشي والصبي على عنقها إذ مرت بنهر ، فنزلت لتشرب ، فبدر الصبي عن رقبتها فوقع في الماء فغرق .. فجلست تبكي ..وبينما هي كذلك .. مرّ بها رجلان ، فقالا لها : ما يبكيك ؟ قالت : ابني كان على عاتقي ، فسقط في الماء فغرق ..فقالا لها : أتحبين أن نخرجه لك ؟ قالت : إي والله ..قال : فدعوا الله عز وجل ، فخرج ابنها إليها ، ثم قالا : أتحبين أن نرد يديك إليك ؟قالت : نعم ، فدعوا الله ، فاستوت يداها ..فقالا لها : أتدرين من نحن ؟ قالت : لا .. قالا : نحن رغيفاك اللذان تصدقت بهما !.
6-الصدقة تطهير للنفس والمال :
وفي الصدقة تطهير للنفس من الشح والبخل وتطهير للنفوس من الأحقاد والضغائن ، قال تعالى : ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) سورة التوبة .
يذكر رجل يسمى ابن جدعان وهذه القصة حدثت منذ أكثر من مائة سنة تقريبًا فهي واقعية، يقول: خرجت في فصل الربيع، وإذا بي أرى إبلي سمانًا يكاد أن يُفجَر الربيع الحليب من ثديها، كلما اقترب ابن الناقة من أمه دَرّت وانفجر الحليب منها من كثرة البركة والخير، فنظرت إلى ناقة من نياقي وابنها خلفها وتذكرت جارًا لي له بُنيَّات سبع، فقير الحال، فقلتُ والله لأتصدقن بهذه الناقة وولدها لجاري،
والله يقول:”لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” آل عمران:92.
وأحب مالي إلي هذه الناقة، يقول: أخذت هذه الناقة وابنها وطرقت الباب على جاري وقلت خذها هدية مني لك.. يقول: فرأيت الفرح في وجهه لا يدري ماذا يقول، فكان يشرب من لبنها ويحتطب على ظهرها وينتظر وليدها يكبر ليبيعه وجاءه منها خيرٌ عظيم.
لما انتهى الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه، تشققت الأرض وبدأ البدو يرتحلون يبحثون عن الماء والكلأ، يقول شددنا الرحال نبحث عن الماء في الدحول، والدحول: هي حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية لها فتحات فوق الأرض يعرفها البدو، يقول: فدخلت إلى هذا الدحل لأُحضر الماء حتى نشرب ـ وأولاده الثلاثة خارج الدحل ينتظرون ـ فتهت تحت الدحل ولم أعرف الخروج.
وانتظر أبناؤه يومًا ويومين وثلاثة حتى يأسوا قالوا: لعل ثعبانًا لدغه ومات، لعله تاه تحت الأرض وهلك، وكانوا والعياذ بالله ينتظرون هلاكه طمعًا في تقسيم المال والحلال، فذهبوا إلى البيت وقسموا الميراث فقام أوسطهم وقال: أتذكرون ناقة أبي التي أعطاها لجاره، إن جارنا هذا لا يستحقها، فلنأخذ بعيرًا أجربًا فنعطيه الجار ونسحب منه الناقة وابنها، فذهبوا إلى المسكين وقرعوا عليه الدار وقالوا: اخرج الناقة، قال: إن أباكم أهداها لي، أتعشى وأتغدى من لبنها. فاللبن يُغني عن الطعام والشراب كما يُخبر النبي ، فقالوا: أعد لنا الناقة خيرٌ لك، وخذ هذا الجمل مكانها وإلا سنسحبها الآن عنوة، ولم نعطك منها شيئًا.
قال: أشكوكم إلى أبيكم، قالوا: اشكِ إليه فإنه قد مات، قال: مات، كيف مات؟ ولما لا أدري؟ قالوا: دخل دِحلاً في الصحراء ولم يخرج، قال: اذهبوا بي إلى هذا الدحل ثم خذوا الناقة وافعلوا ما شئتم ولا أريد جملكم، فلما ذهبوا به وراء المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفي ذهب وأحضر حبلاً وأشعل شعلةً ثم ربطه خارج الدحل فنزل يزحف على قفاه حتى وصل إلى مكان يحبوا فيه وآخر يتدحرج، ويشم رائحة الرطوبة تقترب، وإذا به يسمع أنينًا، وأخذ يزحف ناحية الأنين في الظلام ويتلمس الأرض، ووقعت يده على طين ثم على الرجل فوضع يده فإذا هو حي يتنفس بعد أسبوع من الضياع، فقام وجره وربط عينيه ثم أخرجه معه خارج الدحل وأعطاه التمر وسقاه وحمله على ظهره وجاء به إلى داره، ودبت الحياة في الرجل من جديد، وأولاده لا يعلمون، قال: أخبرني بالله عليك أسبوعًا تحت الأرض وأنت لم تمت.
قال: سأحدثك حديثًا عجبًا، لما دخلت الدُحل وتشعبت بي الطرق فقلت آوي إلى الماء الذي وصلت إليه وأخذت أشرب منه، ولكن الجوع لا يرحم، فالماء لا يكفي.
يقول: وبعد ثلاثة أيام وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ، وبينما أنا مستلقٍ على قفاي سلمت أمري إلى الله وإذا بي أحس بلبن يتدفق على لساني فاعتدلت فإذا بإناء في الظلام لا أراه يقترب من فمي فأرتوي ثم يذهب، فأخذ يأتيني في الظلام كل يوم ثلاث مرات، ولكن منذ يومين انقطع لا أدري ما سبب انقطاعه؟ يقول: فقلت له لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت! ظن أولادك أنك مت جاءوا إلي فسحبوا الناقة التي كان يسقيك الله منها، والمسلم في ظل صدقته، وكما قيل : صنائع المعروف تقي مصارع السوء ،فجمع أولاده وقال لهم: أخسئوا، لقد قسمت مالي نصفين، نصفه لي، ونصفه لجاري.
7- صاحب الصدقة صاحب اليد العليا:
وصاحب الصدقة صاحب يد عليا في الخير يسعد بها في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) سورة النحل .
عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – ؛أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِىَ الْمُنْفِقَةُ ، وَالسُّفْلَى هِىَ السَّائِلَةُ.أخرجه مالك “الموطأ” 2851 ، وأحمد 2/67 (5344) و”البُخَاريّ” 2/139 (1429) و”مسلم” 3/94 (2349).
قال الشاعر :
يا لهف نفسي على مال أفرقه * * * على المقلَّين من أهل المروءات
إن اعتذاري إلى من جاء يسألني * * * ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
8- المتصدق في ظل صدقه يوم القيامة :
فيوم القيامة حينما تدنوا الشمس من رؤوس الخلائق ويلجمهم العرق إلجاما تأتي الصدقة وتظلل صاحبها فالجزاء من جنس العمل فكما أنه أظل الفقير من هجير الحياة بصدقته وأخرج له أحب الأشياء إلى نفسه فان الله تعالى يكافئه بمثل فعله ، قال الله -تعالى-: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم”[آل عمران : 92] .
عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ ، حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ : حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ.
قال ابن الجوزي في: ( بستان الواعظين 1/41) : ” ذكر أن العبد إذا قدم إلى ميزانه وأخرجت سجلات سيئاته أعظم من جبال الدنيا فإذا وجدت له صدقة طيبة تصدق بها لم يرد بها إلا وجه الله تعالى ولم يطلب بها جزاء من مخلوق ولا رياء ولا سمعة ولا محمدة ولا شكر فإن تلك الصدقة توضع في الميزان بأمر الملك الخلاق فترجح على جميع سيئاته ولو كانت سيئاته مثل وزن الجبال وأنشدوا:
يا جامع المال يرجو أن يدوم له * * * كل ما استطعت وقدم للموازين
ولا تكن كالذي قد قال إذ حضرت * * * وفاته ثلث مالي للمساكين
9- الصدقة تقي من عذاب النار :
ففي الصدقة وقاية من عذاب النار ومن غضب الجبار ، ولن ينال المغفرة إلا من أحسن العطاء ، قال سبحانه : ” إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) سورة الأحزاب .
عنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ.أخرجه أحمد 4/256(18442) و”البُخَارِي”8/14(6023) و”مسلم” 3/86(2312).
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : “إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ عَنْ أَهْلِهَا حَرّ الْقُبُورِ، وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُ الْمُؤمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ”. المعجم الكبير ( 14207 )، شعب الإيمان ( 3347 )، هذا الحديث ضعفة الشيخ الألباني رحمه الله ثم تراجع فقال في الصحيحة (3484).
كان أحد الصالحين على فراش الموت فنطق بثلاث كلمات: ليته كان جديدا : ويذهب في غفوة ويفيق وهو يقول : ليته كان بعيدا : ويذهب في غفوة ويفيق وهو يقول: ليته كان كاملا فرآه أحدهم في المنام فسأله عن ذلك فقال : في يوم من الأيام كنت أمشي وكان معي ثوب قديم فوجدت مسكينا يشتكي من شدة البرد فأعطيته الثوب فلما حضرتني الوفاة ورأيت قصرا من قصور الجنة فقالت لي ملائكة الموت : هذا قصرك فقلت : لأي عمل عملته ؟؟ فقالوا لي : لأنك تصدّقت ذات ليلة على مسكين بثوب فقال الرجل : إنه كان باليا فما بالنا لو كان جديدا ليته كان جديدا . وكنت في يوم ذاهبا للمسجد فرأيت مقعدا يريد أن يذهب للمسجد فحملته إلى المسجد فلما حضرتني الوفاة ورأيت قصرا من قصور الجنة فقالت لي ملائكة الموت : هذا قصرك فقلت : لأي عمل عملته؟؟ فقالوا: لأنك حملت مقعدا ليصلي في المسجد : فقال الرجل إن المسجد كان قريبا فما بالنا لو كان بعيدا ليته كان بعيدا ، وكنت في يوم من الأيام أمشي وكان معي بعض رغيف فوجدت مسكينا جائعا فأعطيته جزءاً منه فلما حضرتني الوفاة ورأيت قصرا من قصور الجنة فقالت لي ملائكة الموت : هذا قصرك فقلت لأي عمل عملته؟؟: فقالوا لي لأنك تصدّقت ببعض رغيف لمسكين : فقلت إنه كان بعض رغيف فما بالنا لو كان كاملا ليته كان كاملا.
10-الصدقة سبب لدخول الجنة :
وأهل الصدقة يدعون يوم القيامة من باب الصدقة ويمن الله تعالى عليهم بالأجر الكبير والرضوان الأكبر ، قال تعالى : ” آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ” سورة الحديد / 7 .
عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة” أخرجه البخاري في صحيحه،(5/180).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا . قَالَ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً . قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا . قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا . قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا اجْتَمَعْنَ فِى امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّة. أخرجه البخاري في الأدب المفرد (515) و”مسلم” 3/92 و7/110.
إذن فالصدقة سبب للهداية والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة ، وحصول الخير والبركة ، وسبب للمغفرة وتكفير الذنوب ودفع ميتة السوء ، والنجاة من النار وإطفاء غضب الرب، وطريق إلى دخول الجنة .
2- الصدقة على الأقارب وعلى من يستحق:
قال تعالى : ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) سورة التوبة .
وعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- الْبَدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ-صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: “إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً” أخرجه مسلم في صحيحه، ،(4/88).
وقَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ اللّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: “لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى? تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ”[آل عمران الآية: 29]. وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَى?. وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للّهِ. أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللّهِ. فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللّهِ، حَيْثُ شِئْتَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ : “بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ. ذ?لِكَ مَالٌ رَابِحٌ. قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا. وَإِنِّي أَرَى? أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ” أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على الأقربين والزوج والأولاد(4/85).فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: لا تِحلُ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ.
أخرجه أحمد 2/164(6530).
3- عدم استقلال الصدقة :
فالمؤمن لا يستقل الصدقة أي لا يعدها قليلة فرب شق تمرة تصدق به أنقذه من النار ورب درهم سبق ألف درهم ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:”سبق درهم مئة ألف” فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال : ” رجلٌ لهُ مال كثير أخذ من عرضه مئة ألف، فتصدق بها، ورجلٌ ليس لهُ إلا درهمان فأخذ أحدهما، فتصدق به” أخرجه ابن حبان في صحيحه (3347، 8/135) وأحمد في مسنده(2/379) والنسائي(5/59) وابن خزيمة(2443) وصححه الحاكم(1/416) ووافقة الذهبي.
وفي “الصحيحين” عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كان أبو طلحة أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيْرَحاءُ، وكانت مستقبلةً المسجدَ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب مِن ماءٍ فيها طيِّب، قال أنس – رضي الله عنه -: فلما أنزلت هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن الله – تبارك وتعالى – يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾، وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقةٌ لله، أرجو بِرَّها وذُخرها عند الله – عز وجل – فضعْها يا رسولَ الله، حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بَخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح… الحديث))[1].
وهنا جملة من آداب الإنفاق:
أن يكون من حلال، وأن يحتسب الأجر من الله – تعالى – وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكون في سبيل الله، وأن تكون النفقة في موقعها من أعمال الخير، والبِرِّ، والإحسان، وأن يبذلها المنفِقُ بسخاء نفس، وأن تكون من أجود ما يحب المرءُ لينال البر؛ قال – تعالى -: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾.
وأن يَفرح ويُسَرَّ عند النفقة، وينشرح بها صدره، ولا يَمُنَّ بها، ولا يذكرها، ولا يستكثرها، وأن يعلم أن الفضل لله الذي أعطاه المال لينفق منه، وأن يكون قلبه ثابتًا عند النفقة، فلا يضطرب أو يخاف أن ينقص مالُه؛ قال – تعالى -: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 265].
وأن ينفق سرًّا وعلانيةً حسب المصلحة، فإن كان يريد الاقتداء به، فلْيُعلن النفقة، وإلا فلْيُسِرَّها، وأن تكون في السرَّاء والضرَّاء، والصحة والمرض، والغنى والفقر، واليُسر والعُسر، وألاَّ يرجع فيها؛ فإن العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه، وأن يَعلم أنه عندما يُنفِق في سبيل الله إنما يُقرض اللهَ قرضًا حسنًا؛ قال -تعالى-: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].
وأن يعلم أن الموت آتٍ لا شك في ذلك، فيُسارع إلى الإنفاق قبل حلوله، وأن يتَّقي شُحَّ نفسِه؛ قال – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16]، وأن يَعلم أن الله سيعطيه مِن فضلِه أكثرَ مما أَنفق؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ما مِن يومٍ يُصبِح العباد فيه إلا ملكانِ ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا))[2].
وأن يعلم أن النفقة تقِي من عذاب النار، وتمنع ميتةَ السوء؛ في “الصحيحين”: عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر النساء، تصدَّقْنَ؛ فإني رأيتكن أكثرَ أهل النار))، فقلن: وبِمَ ذلك يا رسول الله؟! قال: ((تُكثرْنَ اللَّعنَ، وتَكفُرْنَ العشير))[3]، وأن يعلم أن ((كل امرئ في ظلِّ صدقتِه، حتى يُفصل بين الناس))[4]، وأن ((أحب الناس إلى الله أنفعُهم، وأحب الأعمال إلى الله – عز وجل – سرورٌ تُدخِله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تَطرُد عنه جوعًا))؛ كما ورد في الحديث الذي ذكره الألباني في “صحيح الجامع الصغير”، برقم: 176.
وأن تعلم أن ((الصدقة تطفئ الخطيئةَ كما يطفئ الماءُ النارَ))[5]؛ كما ورد في الحديث الذي قال عنه الترمذي وغيره: حسن صحيح، وأن الصدقة تكفِّر الخطايا والذنوبَ.
وأن تعلم أن الصدقة عندما يتقبَّلها الله يربِّيها كما يربِّي أحدُنا فَلُوَّه أو فَصيله، حتى تكون مثل الجبل؛ كما ورد في “الصحيحين”: ((لا يتصدَّق أحدٌ بتمرة من كسبٍ طيِّب، إلاَّ أخذها اللهُ بيمينه، فيربِّيها كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم))[6].
وأن الصدقات ترجِّح ميزانَ الحسنات، وتكفِّر الذنوب، وترفع قيمةَ العبد عند ربه، فلا يستوي المُنفِقون وغيرهم؛ قال – تعالى -: ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34].
وأن الكرم والجود من صفات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعباد الله الصالحين، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ما يَسُرُّني أن عندي مثلَ أُحُد هذا ذهبًا، تمضي عليَّ ثلاثةٌ، وعندي منه دينار إلا شيئًا أرصد لدَينٍ، إلاَّ أن أقول به في عباد الله هكذا، وهكذا، وهكذا))[7].
وأن الصدقة لا تنقص المالَ بل تزيده؛ ((ما نقصتْ صدقةٌ من مال))[8].
وأنها سبب لمحبة الله ومحبة الناس، وسعادة القلب، وزكاة النفس، وعبادة الله – تعالى – قال – سبحانه -: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 – 7]، فليس للإنسان شيء يبقى؛ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وهل لك يا ابن آدمَ مِن مالِك، إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدَّقتَ فأمضيتَ؟!))[9].
وأن الصدقة التي يُخرجها الإنسانُ من ماله في صحته وحياته تَلحقه بعد موته؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا مات الإنسانُ، انقطع عملُه إلاَّ مَن ثلاثة: إلا مِن صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له))[10].
ومن أفضل الصدقات:
1- بناء المساجد: قال – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن بنى مسجدًا – قال بكير: حسبتُ أنه قال – يبتغى به وجهَ الله، بنى اللهُ له مثلَه في الجنة))[11].
2- بناء المدارس الإسلامية، وكفالة الدعاة والمدرسين والأئمة: قال – تعالى -: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وهذا من الجهاد في سبيل الله؛ قال – سبحانه -: ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52].
3- كفالة الأيتام: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة))[12].
4- الجهاد في سبيل الله: عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن جهَّز غازيًا في سبيل الله، فقد غزا))[13].
5- سقيا المياه: في “الصحيحين” عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بينما رجل يمشى بطريق، اشتدَّ عليه العطشُ، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلبٌ يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش مثلُ الذي كان بلغ مني، فنزل البئرَ، فملأ خفَّه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له))[14].
6- الأوقاف الإسلامية: وهي صدقات جارية، يستمرُّ أجرُها في الحياة وبعد الممات؛ عن ابن عمر – رضي الله عنه -: “أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أصابَ أرضًا بخَيْبرَ، فأتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ أرضًا بخيبر، لم أُصبْ مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟”، قال: ((إن شئتَ حبستَ أصلها، وتصدَّقتَ بها))، قال: فتصدَّق بها عمر، أنه لا يُباع، ولا يُوهب، ولا يُورَّث، وتصدَّق بها على الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف”[15].
7- إفطار الصائمين: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن فطَّر صائمًا، كان له مثل أجره، غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا)).
8- الإغاثة المختلفة، المقرونة بالدعوة إلى الله.
9- نشر وتوزيع الكتب الإسلامية للعلماء المعروفين بسلامة العقيدة باللغات المختلفة.
10- بناء المراكز الصحية لعلاج الفقراء والمساكين من المسلمين، وقضاء حاجاتهم.
فأنفِقْ يا أخي المسلم في وجوه الخير المختلفة ما دمت على قيد الحياة، قبل أن يفاجئك الأجل المحتوم، وتصدَّقْ وأنت صحيحٌ شحيح، تخشي الفقرَ، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغَتِ الروحُ الحلقومَ، قلتَ: لفلانٍ كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلانٍ كذا.
أسأل الله أن يعِين الجميعَ على الإنفاق في وجوه الخير، وأن يتقبَّل منا، إنه سميع مجيب الدعاء.
Posted on الثلاثاء الموافق 28 ماي عام 2019م by المدونون
الإنفاق في سبيل الله
علي بن عبدالعزيز الراجحي
نعم الله سبحانه وتعالى كثيرة لا تعد ولا تحصى ( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ). (أية 34 سورة إبراهيم) . ومن أعظم النعم : نعمة المال والرزق ، هذه النعمة التي تقوم عليها وتؤدي من خلالها كثير من النعم ، ولا يستغني عنها مخلوق حي حتى الطيور تبحث عن أرزاقها في غدوها ورواحها .
وهذا المال مال الله تعالى يودعه عباده ، ليبتليهم أيشكرونه أم يكفرونه ، قال تعالى : ( وأمددناكم بأموال وبنين ) (سورة الإسراء آية 6 ) ، وقال سبحانه ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ) (سورة العنكبوت آية 60) .
وقال جل وعلا ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ( سورة إبراهيم آية 7)
أنواع الإنفاق المشروع وصوره :
من حقوق المال إنفاقه في الأوجه المشروعة وهي نوعان : أ- واجب: كالإنفاق على النفس والولد والزوجة ، وأداء الزكاة المفروضة ونحو ذلك . ب- مستحب: كصدقة التطوع، والإنفاق في أوجه البر المتنوعة كالنفقة على اليتامى والأرامل والفقراء والمساكين، كالهبات والهدايا، والتبرع لمؤسسات البر والإغاثة ونحو ذلك .
من ثمرات الإنفاق المشروع :
1- دخول الجنة ، يقول تعالى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ).( سورة آل عمران آية 133 ، 134 ) .
2- الوقاية من النار ، وتكفير السيئات ، روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) (أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة 3/283 برقم 1417 ، ومسلم 2/703 برقم 1016 ، كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ) ويقول صلى الله عليه وسلم : ( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ). (أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في حرمة الصلاة 5/13 ، برقم الحديث 2616 ، وأخرجه النسائي في الكبرى 6/428 ، برقم 11394 ، كتاب التفسير).
3- تكثير الحسنات، ومضاعفة الأجور أضعافاً مضاعفة، يقول تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) (سورة البقرة آية 361 ). ويقول سبحانه (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم). (سورة المزمل آية 20)
4- في الإنفاق طهرة للمنفق ، وتزكية لقلبه ، وتنمية للمال وسلامة له من الآفات، يقول سبحانه وتعالى ( خذ من أموالهم صدقة تظهرهم وتزكيهم بها ) (سورة التوبة آية 103 )
آداب الإنفاق :
لكي يؤدي الإنفاق تلك الثمار العظيمة والفوائد الجليلة لابد وأن يكون المنفق مستحضراً آداباً مهمة فيه ، وهي :
1 – الإخلاص :
الإخلاص يعني تجريد العبودية لله تعالى لا يشوبها شائبة رياء أو سمعة أو غيرهما، فإذا أنفق على نفسه وأسرته ينفق شاكراً لله تعالى على ما أعطاه من هذه المال ، حامداً له على هذه النعمة ، وإذا أنفق على الفقراء والمساكين ، أو مشاريع الخير وأعمال البر يريد الأجر والثواب من هذه الإنفاق ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) (أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي 1/9 برقم 1 ، ومسلم ، كتاب الإمارة ، باب قوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنية ) 3/1515 برقم 1907 ) .
فمن انفق يبتغي الأجر فله ذلك ، ومن أنفق رياء أو سمعة أخذ حظه من ثناء الناس في الدنيا ، وليس له حظ في الآخرة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أول الناس يقضي عليه يوم القيامة ثلاثة .. ” ومنهم : ” رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال جواد ، فقد قيل ، فسحب على وجهه ، ثم ألقي في النار) ( رواه مسلم ، كتب الإمارة ، باب : من قاتل للرياء والسمعة استحق النار 3/1514 ، رقم 1905 ).
2 – عدم المن والأذى :
المن هو : التحدث بما أعطي حتى يبلغ ذلك المعطي فيؤذيه .
والأذى هو : السب والتطاول والتشكي .
وعدم المن والأذى هو الأدب الثاني الذي يتفق مع ما فطر الله تعالى النفس الإنسانية عليه من الكرامة والعزة ، فتلك النفس تأبى أن يكون هذا العطاء مقروناً بمن أو أذى، إذا أن هذا المن يخدش كرامة النفوس الكريمة ويجرح مشاعرها ، ويستذلها بمنته ، ويشعرها بالصغار والهوان .
من هنا جعل الله سبحانه الصدقات المقرونة بالمن والأذى باطلة غير مقبولة، يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ما له رياء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ). (سورة البقرة آية 264 )
ولخسة نفس المنان بعطيته ، ولؤم طبعه ورغبته في الاستعلاء الكاذب ، وتطلعه إلى إذلال الناس ، جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، وهم كما في الحديث : (المسبل ، والمنان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) (رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية 1/102 ، برقم 106 ).
3 – الإنفاق من المال الطيب:
لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، فقد أمر سبحانه بالإنفاق من الطيب المحبوب للنفس ، فأحب لأخيك ما تحب لنفسك ، يقول تعالى آمراً بالإنفاق من الطيبات ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقوا ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه وأعلموا أن الله غني حميد ) . ( سورة البقرة آية 267).
والبر والأجر إنما ينال بالإنفاق من المال الطيب المحبوب ، يقول الله تعالى : (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (سورة آل عمران آية 92) .
4 – الاعتدال في الإنفاق:
لأن المال أمانة عند صاحبه، فهو مال الله تعالى، رزقه هذا الإنسان، ليتعامل به وفق منهج الله تعالى، فلا يتعالى فيه فيبذر ويسرف ويتجاوز القصد والاعتدال، ولا يقتر فيشح ويبخل ويمسك، قال تعالى مادحاً المؤمنين الذين يسلكون هذا المنهج : (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) (سورة الفرقان آية 67 )
Posted on السبت الموافق 18 ماي عام 2019م by المدونون
ما هي الصدقة الجارية؟
السؤال
أريد أن أعرف أمثلة بسيطة للصدقة الجارية ، وفي أي باب أنفق مالي في رمضان أو غيره : إفطار الصائمين ، أم كفالة اليتيم ، أم رعاية دور المسنين ؟
نص الجواب
الحمد لله
الصدقة الجارية هي الوقف ، وهي الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رواه مسلم (1631).
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث :
” الصدقة الجارية هي الوقف ” انتهى.
” شرح مسلم ” (11/85) .
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله :
“الصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي ، فإن غيره من الصدقات ليست جارية .
“مغني المحتاج” (3/522-523) .
والصدقة الجارية هي التي يستمر ثوابها بعد موت الإنسان ، وأما الصدقة التي لا يستمر ثوابها ـ كالصدقة على الفقير بالطعام ـ فليست صدقة جارية .
وبناء عليه : فتفطير الصائمين وكفالة الأيتام ورعاية المسنين – وإن كانت من الصدقات – لكنها ليست صدقات جارية ، ويمكنك أن تساهم في بناء دار لليتامى أو المسنين ، فتكون بذلك صدقة جارية ، لك ثوابها ما دامت تلك الدار ينتفع بها .
وأنواع الصدقات الجارية وأمثلتها كثيرة ، منها : بناء المساجد ، وغرس الأشجار ، وحفر الآبار ، وطباعة المصحف وتوزيعه ، ونشر العلم النافع بطباعة الكتب والأشرطة وتوزيعها .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ : عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ) رواه ابن ماجه (رقم/242) قال المنذري في ” الترغيب والترهيب ” (1/78) : إسناده حسن . وحسنه الألباني في ” صحيح ابن ماجه “
وانظر جواب السؤال رقم (69884) و (43101) .
وينبغي للمسلم أن يعدد مصارف صدقاته ، حتى يكون له نصيب من الأجر مع أهل كل طاعة ، فتجعل جزء من مالك لتفطير الصائمين ، وجزء آخر لكفالة اليتيم ، وثالثاً لدار المسنين ، ورابعاً تساهم به في بناء مسجد ، وخامسا لتوزيع الكتب والمصاحف … وهكذا .
Posted on السبت الموافق 18 ماي عام 2019م by المدونون
أحاديث في فضل الصدقة
السؤال لدينا درس أسبوعي ، وفي كل أسبوع نحض الأخوات على الصدقة للفقراء في البلاد الأخرى ، هل هناك حديث يحث على الصدقة وأجرها في يوم القيامة وفي الجنة ، ليساعدنا على حث الأخوات لجمع المزيد من الصدقات إن شاء الله .
نص الجواب
الحمد لله
هذه طائفة من النصوص الشرعيَّة يمكنكم ذِكرها للحث على الصدقة ، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها ، وأن يكتب لكم الأجر.
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ البقرة / 254 .
وقال تعالى : آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ الحديد / 7 .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – وإن الله يتقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل ” .
رواه البخاري ( 1344 ) ومسلم ( 1014 ) .
فَلوَّه : مُهره الصغير .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً ” .
رواه البخاري ( 1374 ) ومسلم ( 1010 ) .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم – في أضحى أو فطر – إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال : أيها الناس تصدقوا فمرَّ على النساء فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار … فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه ، فقيل : يا رسول الله هذه زينب فقال : أي الزيانب ؟ فقيل : امرأة ابن مسعود ، قال : نعم ،
ائذنوا لها ، فأذن لها ، قالت : يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة ، وكان عندي حلي لي ، فأردت أن أتصدق به ، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ابن مسعود ، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم .
رواه البخاري ( 1393 ) ومسلم ( 80 ) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله أنفق يا ابن آدم أنفق عليك .
Posted on السبت الموافق 18 ماي عام 2019م by المدونون
السؤال
كثير من الناس يقومون بكفالة الأيتام ، فهل يجب عليهم إخراج زكاة الفطر عنهم ؟
نص الجواب
الحمد لله :
زكاة الفطر واجبة على كل مسلم ، سواء كان ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : (فَرَضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ) رواه البخاري (1504) ومسلم (984) ، واليتيم داخل في عموم الناس .
وعليه ، فإن كان اليتيم يملك مالاً يخرج منه زكاة الفطر ، فالزكاة واجبة عليه في ماله ، ولا يلزم كافله إخراج زكاة الفطر عنه ؛ لغناه ، فإن تبرع كافله بالإخراج عنه أجزأه ذلك .
قال النووي رحمه الله : “اليتيم الذي له مال وجبت فطرته في ماله عندنا ، وبه قال الجمهور منهم مالك وأبو حنيفة وابن المنذر” انتهى من ” المجموع ” (6/109) .
وقال البهوتي في ” كشاف القناع ” (2/247) : ” وهي واجبة على كل مسلم … ذكر وأنثى كبير وصغير ؛ لما سبق من الخبر ، ولو يتيماً ، فتجب في ماله نص عليه [يعني : الإمام أحمد] ” انتهى .
أما إن كان اليتيم لا يملك مالاً ، فزكاة الفطر واجبة على من يلزمه شرعاً النفقة على هذا اليتيم من أقاربه ، أما كافله فلا يلزم أن يزكي عنه ، لأنه متبرع بالنفقة عليه .
وهذا مذهب الجمهور (منهم الأئمة الثلاثة : أبو حنيفة ومالك والشافعي) ؛ لأنهم يقولون ؛ بأن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم وعلى من تلزمه مؤنتهم . وكافل اليتيم متبرع بالنفقة فلا تلزمه زكاة الفطر عن اليتيم .
ومذهب الإمام أحمد أن من أنفق على شخص شهر رمضان ولو على سبيل التبرع تلزمه زكاة الفطر عنه ، فقد نص الإمام أحمد على أن من ضم يتيمة إليه يؤدي زكاة الفطر عنها .
وقد اختار بعض الحنابلة ـ كابن قدامة ـ أنها لا تجب ، وحملوا قول الإمام أحمد السابق على الاستحباب .
وانظر : “المغني” (4/306) ، و”الشرح الكبير” (7/97) .
والحاصل : أنه لا يجب على من تبرع بكفالة اليتيم أن يخرج زكاة الفطر عن اليتيم ، وإنما الزكاة واجبة في مال اليتيم إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال فتجب الزكاة على قريبه الذي يلزمه شرعاً أن ينفق عليه .
والله أعلم