أي الصلاة أفضل

2 – سُئِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

الصفحة أو الرقم: 1163 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] |

شرح الحديث

الصَّلاةُ والصِّيامُ مِن أَركانِ الإسلامِ، وقدْ حدَّد اللهُ فَرائضَ الصَّلاةِ بخَمسِ صَلواتٍ في الْيومِ واللَّيلةِ، وحدَّد صِيامَ الفَرْضِ بِصيامِ شهرِ رَمضانَ، ولَكنْ مَن أَرادَ التَّطوُّعَ بنافِلةٍ مِن جِنسِ هاتينِ العِبادتَينِ فَلَه ذلكَ، وفي هذا الحديث أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سُئل عنِ الأَوقاتِ والحالاتِ الأَفضلِ للتَنفُّلِ والتَّطوُّعِ في الصَّلاةِ والصِّيام، فقيل له: “أيُّ الصَّلاةِ أَفضلُ بعدَ المَكتوبةِ؟ أي: ما أَفضلُ الصَّلواتِ بعدَ أَداءِ الصَّلواتِ الخَمسِ المَفروضةِ الَّتي لا بدَّ مِن أَدائِها قبلَ التَّفكيرِ في النَّوافلِ والزِّياداتِ والتَّطوعِ لِمَن أَرادَ، فَقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مُوضِّحًا ومُبيِّنًا: “أَفضلُ الصَّلاةِ بَعدَ الصَّلاةِ المَكتوبةِ، الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ؛ وذلك أنَّ صَلاةَ اللَّيلِ أَبعدُ عنِ الرِّياءِ، وأَقربُ إلى الإِخلاصِ، وأَشدُّ وَطأةً، وأَقومُ قيلًا، والمُرادُ مِن جَوفِه هوَ الثُّلثُ الآخِرُ.
وسئل: وأيُّ الصِّيامِ أَفضلُ بعدَ شَهرِ رَمضانَ؟ أي: الصَّومُ أفضلُ بعدَ الصَّومِ المَفروضِ في رَمضانَ؟ فأجاب صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ أَفضلَ الصِّيامِ بَعدَ شَهرِ رَمضانَ، هو صِيامُ شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ؛ فشهرُ المُحرَّمِ منَ الأَشهُرِ الحُرُمِ، ولعلَّ في هذا الحَديثِ إشارةً إلى أنَّه لَمَّا كانَ القِتالُ مُحرَّمًا في المُحرَّمِ، وكانَ انتِهازُ وَقتِه للصَّومِ فُرصةً مِن أَجلِ أنَّ أَوقاتِ إباحةِ القِتالِ لا يَقتضي أنْ يَكونَ المُؤمنُ فيها صائمًا؛ لأنَّ الصَّومَ يُضعِفُ أَهلَه.
وَفي الحَديثِ: بيانُ فَضيلةِ الصَّلاةِ في جَوفِ اللَّيلِ.
وَفيه: بَيانُ فَضيلةِ شَهرِ المُحرَّمِ وفَضيلةِ الصَّومِ فيهِ.
وَفيه: بيانُ أنَّ التَّطوُّعَ والنَّوافلَ تَكونُ بعدَ أَداءِ الفَرائضِز

https://dorar.net/hadith/sharh/21294

إذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا

إذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنِّي قد أَحببتُ فلانًا فأحبَّهُ، قالَ: فيُنادي في السَّماءِ، ثمَّ تنزلُ لَهُ المحبَّةُ في أَهْلِ الأرضِ، فذلِكَ قولُ اللَّهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ، وإذا أَبغضَ اللَّهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنِّي أَبغضتُ فلانًا، فيُنادي في السَّماءِ ثمَّ تُنزَلُ لَهُ البَغضاءُ في الأرضِ

الراوي : أبو هريرة | المحدث :الألباني | المصدر : صحيح الترمذي

الصفحة أو الرقم: 3161 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | 

التخريج : أخرجه البخاري (6040)، ومسلم (2637)


في هذا الحَديثِ بَيانُ فَضلِ تَحصيلِ مَحبَّةِ اللهِ تعالَى وما يَترَتَّبُ عليها مِنَ الجَزاءِ في الدُّنيا، فَضلًا على ما يَترَتَّبُ عليها مِن نَعيمِ الآخِرةِ؛ فيُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه سُبحانَه وتعالَى إذا أحَبَّ عَبدًا -بسَببِ طاعَتِه له- نادى الحَقُّ تَبارَكَ وتعالَى جِبريلَ عليه السَّلامُ، وقال: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا، فأحْبِبْه، فيُحِبُّه جِبريلُ، ثمَّ يُنادي جِبريلُ في أهلِ السَّماءِ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السَّماءِ، والمُرادُ بأهلِ السَّماءِ المَلائِكةُ، ثمَّ يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ عِندَ أكثَرِ مَن يَعرِفُه مِنَ المُؤمِنينَ، ويَبْقى له ذِكرٌ صالِحٌ، ويُقالُ: مَعناه: يُلقي في قُلوبِ أهلِها مَحَبَّتَه مادِحينَ له، فتَميلُ إليه القُلوبُ وتَرضى عنه.
وصِفةُ المَحبَّةِ ثابِتةٌ للهِ سُبحانَه على ظاهِرِها على ما يَليقُ بجَلالِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى، وحُبُّ جِبريلَ والمَلائكةِ يَحتَمِلُ وَجهَيْنِ؛ أحَدُهما: استِغفارُهم له، وثَناؤُهم عليه، ودُعاؤُهم، والوَجْهُ الآخَرُ: أنَّ مَحَبَّتَهم على ظاهِرِها المَعروفِ مِنَ المَخلوقينَ، وهو مَيلُ القَلبِ إليه، واشتياقُه إلى لِقائِه، وسَبَبُ حُبِّهم إيَّاه كَونُه مُطيعًا للهِ تَعالى، مَحبوبًا منه

.https://dorar.net/hadith/sharh/9402

سمات أهل السنة والجماعة

سمات أهل السنة والجماعة

الحلف بغير الله

الحلف بغير الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

أيها المستمعون الكرام؛ حديثي معكم اليوم في حكم الحلف بغير الله.

ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت هذا يدلنا على أن الحلف يكون بالله وحده، ولا يجوز أن يحلف بغيره، لا بالأمانة، ولا بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا بالكعبة، ولا بحياة فلان، ولا شرف فلان، ولا أشباه ذلك، لأن اليمين تعظيم للمحلوف به، ولأن اليمين إنما يقصد منها تأكيد الشيء وتثبيته، وتأكيده وتثبيته إنما يكون من جهة يخشى منها الحالف إذا كذب في يمينه، وليس هناك من يعلم حقائق الأمور وصدق الحالف وكذب الحالف إلا الله وحده، فإنه العلام لأحوال عباده، والعالم بما في ضمائرهم، والعالم بالصادقين والكاذبين مطلقا في جميع الأحوال.

أما الناس فقد يخفى عليهم شيء من ذلك، وقد لا يعلمون صدقه وكذبه، ولأن الرب سبحانه هو المستحق للتعظيم على الكمال، فكان هو أولى بأن يحلف به صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأي أحد أن يحلف بغير الله جل جلاله، فهو إن صدق استحق من الله الثواب، وإن كذب استحق العقاب، والله هو القادر على كل شيء جل وعلا.

وهو المستحق لأن يعظم ويجل الله عز وجل لكمال قدرته، وكمال علمه، وكمال إحسانه، وكمال أسمائه وصفاته، فلذلك وغيره من الأسباب جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بتحريم الحلف بغير الله، والزجر عنه والتحذير منه، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، هذا يدل على أن الحلف بغير الله من المحرمات الشركية، وهذا زجر عظيم ووعيد شديد، وقال عليه الصلاة والسلام: من حلف بالأمانة فليس منا، وقال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون.

فعليك يا عبدالله أن تنتبه لهذا الأمر، وأن تحذر تقليد من وقع في هذه المشكلة وفي هذا المنكر، فأنت تسمع كثيرا في الإذاعات، أو في التلفزيون، أو تقرأ في الصحف من يحلف بغير الله، بحياتك، بشرفك، بالنبي، بالأمانة، وهذا منكر ومحرم، فعلى المسلمين أن يحذروه وأن يبتعدوا عنه حماية لجناب التوحيد، وحسما لمواد الشرك، وتحقيقا لما أمر الله به من تعظيمه سبحانه والإخلاص له في الأعمال، والتأدب في الألفاظ، والبعد عن كل ما يغضبه سبحانه.

فإذا أردت أن تحلف فعليك أن تحلف بالله وحده، والأولى أيضا الحذر من الحلف وألا تحلف إلا عند الحاجة، لأن الله سبحانه يقول: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، فالمؤمن إنما يحلف عند الحاجة إلى تثبيت شيء، أو نفي شيء، أو التصديق، أو التكذيب، فإذا احتجت إلى ذلك حلفت عند الحاجة، وإلا فدع اليمين ولا تجعلها ديدنًا لك ولا بضاعة لك، فقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زانٍ يعني شيخ زانٍ، والشيخ الشايب، أشيمط زانٍ، والأشيمط الذي شمطه الشيب، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه.

وحذر عليه الصلاة والسلام من الأيمان في البيع والشراء، ولا سيما مع الكذب، فإن ذلك يغضب الرب جل جلاله ويمحق البركة، ومن ذلك الحديث الصحيح: إياكم والحلف في البيع، فإنه ينفق، ثم يمحق، والحديث الآخر: الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للربح.

فالمؤمن يتباعد عن الكذب في أيمانه وأقواله وأفعاله، ويتحرى الصدق في أقواله وأيمانه وأعماله، وإذا حلفت فعليك أن تحرص على حفظ يمينك حتى إذا حنثت تكفر عن يمينك، لا تدعها بغير تكفير، فحفظ اليمين يكون بالتقليل منها وعدم الإكثار منها إلا عند الحاجة، ويكون أيضًا بالتكفير عنها إذا حنثت فيها، أو دعت الحاجة للحنث فيها، فإن المؤمن يشرع له الحنث إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فلو قال مثلا: والله لا أزور أخي، أو والله لا آكل كرامته، فإن الأفضل له أن يكفر عن يمينه وألا يستمر فيها لأن هذا يفضي إلى القطيعة.

وكذلك إذا قال: والله لا أكلم فلانا، وهو بغير حق، ما يستحق الهجر، فإن الأفضل أنه يكفر عن يمينه ويكلم أخاه، أو قال: والله لا أبر أبي، أو والله لا أبر أمي، فإن هذه يمين خاطئة، فعليه أن يكفر عنها، وعليه أن يبر أمه ويبر أباه وأشباه ذلك. فحفظ اليمين يكون بالتقليل منها، ويكون أيضا بالتكفير عنها إذا حنث فيها، ويجب عليه أن تكون أيمانه بالله وحده، أو بصفة من صفاته، كأن يقول: بالله، أو برب العالمين، أو بالرحمن، أو بالرحيم، أو بعلم الله، أو وعلم الله، أو وعزة الله، وأشباه ذلك.

أما الحلف بغير الله من المخلوقين، بالأنبياء، أو بالكعبة، أو بالأمانة، أو شرف فلان، أو حياة فلان، فقد سبق أن هذا لا يجوز وأنه منكر لقول النبي ﷺ: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت، وقوله عليه الصلاة والسلام: من حلف بالأمانة فليس منا، وقوله عليه الصلاة والسلام: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك. خرجه الترمذي وصححه، وخرجه أبو داود بسند صحيح وصححه الحاكم أيضًا.

فهذه الأحاديث الصحيحة كلها تدلنا على تحريم الحلف بغير الله، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يبتعد عنه، وأن يوصي إخوانه بالبعد عنه.

وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يحفظنا وإياكم من كل ما يغضبه جل جلاله، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.

الرابط الأصلي

منزلة الأمانة في الإسلام

منزلة الأمانة في الإسلام

أحمد الراقي

قال اللَّه تعالى: (إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها).
وقال تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان؛ إنه كان ظلوماً جهولاً).

الأمانة مصدر قولهم: أمِن يأمَن أمانة أي صار أمينًا ورجل أمنة: إذا كان يأمنه النّاس ولا يخافون غائلته. واصطلاحًا: قال الكفويّ: الأمانة: كلّ ما افترض اللّه على العباد فهو أمانة كالصّلاة والزّكاة والصّيام وأداء الدّين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار.

الأمانة هي التكاليفُ الشرعية، أي حقوقُ الله وحقوق العباد، فمن أدَّاها فله الثواب، ومن ضيَّعها فعليه العقاب، فقد روى أحمد عن بن مسعود أنه قال: (الصلاةُ أمانة، والوضوءُ أمانة، والوزن أمانةٌ، والكيل أمانة) وأشياء عدّدها، (وأشدُّ ذلك الودائع)، فمن اتَّصفَ بكمَال الأمانة فقد استكمَل الدينَ، ومن فقد صفةَ الأمانة فقد نبذ الدينَ، كما روى الطبراني من حديث ابن عمر: (لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له).

الأمانةُ خلُقٌ مِن أخلاق الأنبياءِ والمرسَلين، وفضيلةٌ من فضائل المؤمنين، عظَّم الله أمرَها ورفع شأنها وأعلى قدرَها، وقد قال الملكُ ليوسف عليه السلام: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) وعُرِف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة ولُقّبَ بالأمين قبل البعثة، وقصة وضع الحجر الأسود مشهورة حيث فرح القوم بمقدمه صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا الأمين، وأمانته صلى الله عليه وسلم كانت سببًا في زواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بل إن الله وصف بها جبريل عليه السلام: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ).

الأمانةُ أمر الله بحفظِها ورِعايَتِها، وفرَض أداءَها والقِيامَ بحقِّها: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ)، ويقول جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، ونبيُّنا يقول: (أدِّ الأمانةَ إلى من ائتَمَنك، ولا تخُن من خانك) وعن أبي هريرةعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». رواه البخاري.

أمانة

إن الأمانة هي الرابطة بين الناس في أداء الحقوق والواجبات، ولا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر وزارع، ولا بين غني وفقير وكبير وصغير، فهي شرف الغني وفخر الفقير وواجب الموظف ورأس مال التاجر وسبب شهرة الصانع وسر نجاح العامل والزارع ومفتاح كل تقدم بإذن الله ومصدر كل سعادة ونجاح بفضل الله، وإن مجتمعًا يفقد هذه الصفة الشريفة لهو من أفسد المجتمعات، إذ إن الأمانة موجودة في الناس عن طريق الفطرة والوحي، ثم تقبض منهم لسوء أفعالهم. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ).

كيف تكون أمينًا؟

أولاً: أداء حق الله جل وعلا بتوحيده وفعل الواجبات والبُعد عن المحرمات، ومن لم يكن أمينًا في دينه حريٌّ به ألا يكون أمينًا في مُعاملاته مع الناس، ومن ضيّع حق الله جل وعلا فهو لحق غيره أضيع.

ثانيًا: بذل جهدك في أداء ما كُلّفتَ به على الوجه المطلوب أينما كان مكانك ومهما كانت صفتك، وإن لم يعلم عنك أحد فالله جل وعلا هو السميع البصير، وهو سيجازيك لإحسانك ونزاهتك، ويُعاقبك على إساءتك وتفريطك.

ثالثًا: نزاهتك المادية بصيانة الأموال العامّة وحفظها ورعايتها، وعدم التساهل فيما هو ليس من حقك، والبعد عن كل ما فيه شُبهة أو شك، فسلامة الدين لا يعدلها شيء، ومن ترك شيئًا لله عوضه خيرًا منه.

رابعًا: القيام بحقوق المسلمين والعدل فيها وعدم الظلم والجور وأدائها بالصفة الصحيحة والوقت المحدد، مع النصح لهم فيما هو خير وأنفع.

والأمانة من الأمور المهمة للمجتمع، وبدونها يعيش المجتمع في بلاء عظيم، والأمة التي لا أمانة لها هي التي تنتشر فيها الرشوة، وينتشر فيها الغش والخداع والتحايل على الحق وتضييع الواجبات التي أنيطت بأفرادها، فما من إنسان منا إلا وعمله أمانة لله في عنقه، فالشعب أمانة في يد ولاة الأمور، والدين أمانة في يد العلماء وطلبة العلم، والعدل أمانة في يد القضاة، والحق أمانة في يد القائمين عليه، والصدق أمانة في يد الشهود، والمرضى أمانة في يد الأطباء، والمصالح أمانة في يد المستخدمين، والتلميذ أمانة في يد الأستاذ، والولد أمانة في يد أبيه، والوطن أمانة في يد الجميع، وأعضاء الإنسان أمانة لديه، فاللسان أمانة فاحفظه من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بعباد الله، والعين أمانة فاصرفها عن النظر إلى الحرام وتوجه بها إلى النظر إلى المباح الحلال، والأذن أمانة فجنبها استماع المحرمات واصرفها إلى استماع ما يعود عليك بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة، والرجل أمانة واليد أمانة فلا تمش إلا إلى الخيرات، وأموالكم أمانة فلا تصرف إلا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، وكل هذا قبل أن يأتي يوم للسؤال عن هذه الأمانة: فقد ثبت في الحديث أن النبي قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أتى به وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به؟).

ومِن الأمانةِ العظيمةِ على كلِّ مسلم في هذه الأرض حملُ هذا الدينِ، وإبراز محاسنِه العِظام وفضائِله الجسام، وإفهامُ العالم كلِّه بالعِلم والعمَل بالسلوك والمظهر وأنَّ هذا الدينَ خير ورحمةٌ عامّة للبشرية وصلاحٌ للعالَم يحمِل السعادة والسّلام والفوزَ والنجاة في الدنيا والآخرة.

الرابط الأصلي

 

حرمة الدماء فى شريعة الإسلام

حرمة الدماء فى شريعة الإسلام

إعداد/ د: أحمد عرفة  – معيد بجامعة الأزهر

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:

فإن من الأسس العظيمة التى قام عليها التشريع الإسلامي تحقيق مصالح العباد جميعاً والحفاظ عليهم ، من أجل ذلك كانت الضروريات الخمس التى أوصت الشريعة بالحفاظ عليها ورعايتها وهى حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العرض ، وحفظ المال , وحفظ النسل ، ومن حفظ النفس حفظ الدماء من أن تهدر وتسفك بغير حق فى هذه الأيام التى نرى فيها سفك الدماء بالليل والنهار من أجل تعصب حزبي ، ومن أجل تصارع على المناصب والسلطات ، يقتل بسبب ذلك خلق كثير من أجل ذلك كان لابد من إرشاد الجميع إلى خطورة هذا الأمر وذلك من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .

أولاً: حرمة الدماء فى القرآن الكريم :
قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)([1]).
وقال تعالى فى صفات عباد الرحمن : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70))([2]).
وقال تعالى:( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32))([3]).

قال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
وجعل قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس مبالغة في تعظيم أمر القتل الظلم وتفخيما لشأنه أي كما أن قتل جميع الناس أمر عظيم القبح عند كل أحد فكذلك قتل الواحد يجب أن يكون كذلك فالمراد مشاركتهما في أصل الاستعظام لا في قدره إذ تشبيه أحد النظيرين بالآخر لا يقتضي مساواتهما من كل الوجوه وأيضا فالناس لو علموا من إنسان أنه يريد قتلهم جدوا في دفعه وقتله فكذا يلزمهم إذا علموا من إنسان أنه يريد قتل آخر ظلما أن يجدوا في دفعه وأيضا من فعل قتلا ظلما رجح داعية الشر والشهوة والغضب على داعية الطاعة ومن هو كذلك يكون بحيث لو نازعه كل إنسان في مطلوبه وقدر على قتله قتله ونية المؤمن في الخيرات خير من عمله كما ورد فكذلك نيته في الشر شر من عمله فمن قتل إنسانا ظلما فكأنما قتل جميع الناس بهذا الاعتبار([4]).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن شد عضد أحد فكأنما أحيا الناس جميعا .

وقال مجاهد رحمه الله: من قتل نفسا محرمة يصلى النار بقتلها كما يصلاها لو قتل الناس جميعا ومن أحياها أي من سلم من قتلها فكأنما سلم من قتل الناس جميعا .

وقال قتادة رحمه الله: أعظم الله أجرها وأعظم وزرها أي من قتل مسلما ظلما فكأنما قتل الناس جميعا في الإثم لأنهم لا يسلمون منه ومن أحياها وتورع عن قتلها فكأنما أحيا الناس جميعا في الثواب لسلامتهم منه.

وقال الحسن رحمه الله: فكأنما قتل الناس جميعا أي أنه يجب عليه من القصاص ما يجب عليه لو قتل الكل ومن أحياها أي عفا عمن له عليه قود فكأنما أحيا الناس جميعا([5]).

ثانياً: حرمة الدماء فى السنة النبوية :
عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دما حراما “([6]).

، عن البراء بن عازب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ” ([7]).
عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج – وهو القتل القتل – حتى يكثر فيكم المال فيفيض” ([8]).

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” اجتنبوا السبع الموبقات ” ، قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : ” الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”([9]) .

عن عبد الله بن عمر ، قال : ” إن من ورطات الأمور ، التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها ، سفك الدم الحرام بغير حله “([10]) .

عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول : يا رب ، هذا قتلني ، فيقول الله له : لم قتلته ؟ فيقول : قتلته لتكون العزة لك ، فيقول : فإنها لي . ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول : إن هذا قتلني ، فيقول الله له : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لفلان ، فيقول : إنها ليست لفلان فيبوء بإثمه “([11]).

عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل “([12]).
عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ” يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما ، يقول : يا رب ، قتلني هذا ، حتى يدنيه من العرش ” ” قال : فذكروا لابن عباس ، التوبة ، فتلا هذه الآية : ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، قال : ” ما نسخت هذه الآية ، ولا بدلت ، وأنى له التوبة “([13]).

عن سالم ، سئل ابن عباس عن رجل قتل مؤمنا ، ثم تاب وآمن وعمل صالحا ، ثم اهتدى ، قال : ويحك ، وأنى له الهدى ، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم ، يقول : ” يجيء المقتول متعلقا بالقاتل ، يقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ ” والله لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وما نسخها بعد إذ أنزلها ، قال : ويحك ، وأنى له الهدى ؟ *([14]).
عن ابن عباس ، أنه سأله سائل فقال : يا أبا العباس ، هل للقاتل من توبة ؟ فقال ابن عباس كالمتعجب من شأنه : ماذا تقول ؟ فأعاد عليه المسألة ، فقال له : ماذا تقول ؟ مرتين أو ثلاثا ، ثم قال ابن عباس : أنى له التوبة ؟ سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : ” يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه ، متلببا قاتله بيده الأخرى يشخب أوداجه دما ، حتى يأتي به العرش ، فيقول المقتول لله : رب هذا قتلني ، فيقول الله عز وجل للقاتل : تعست ، ويذهب به إلى النار ” *([15]).

عن ابن سيرين ، سمعت أبا هريرة ، يقول : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم :
” من أشار إلى أخيه بحديدة ، فإن الملائكة تلعنه ، حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه “([16]).

قال الإمام النووي رحمه الله:
فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه وقوله صلى الله عليه و سلم وإن كان أخاه لأبيه وأمه مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا لأن ترويع المسلم حرام بكل حال ، ولأنه قد يسبقه السلاح كما صرح به في الرواية الأخرى ، ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام ([17]).

عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ” من حمل علينا السلاح فليس منا “([18]).

قال ابن دقيق العيد رحمه الله:
قوله: (حمل السلاح) : يجوز أن يراد به ما يضاد وضعه ويكون ذلك كناية عن القتال به وأن يكون حمله ليراد به القتال ودل على ذلك قرينة قوله عليه السلام: “علينا” ويحتمل أن يراد به ما هو أقوى من هذا وهو الحمل للضرب فيه أي في حالة القتال والقصد بالسيف للضرب به وعلى كل حال فهو دليل على تحريم قتال المسلمين وتغليظ الأمر فيه.
و قوله: “فليس منا”: قد يقتضي ظاهره الخروج عن المسلمين لأنه إذا حمل”علينا” على أن المراد به المسلمون كان قوله: “فليس منا” كذلك ، وقد ورد مثل هذا فاحتاجوا إلى تأويله كقوله عليه السلام: “من غشنا فليس منا” ، وقيل فيه: ليس مثلنا أو ليس على طريقتنا أو ما يشبه ذلك ([19]).

وقال الإمام الصنعاني رحمه الله:
قوله صلى الله عليه وسلم: “من حمل علينا السلاح فليس منا” أي من حمله لقتال المسلمين بغير حق كني بحمله عن المقاتلة إذ القتل لازم لحمل السيف في الأغلب ويحتمل أنه لا كناية فيه وأن المراد حمله حقيقة لإرادة القتال ويدل له قوله:(علينا) وقوله:(فليس منا) المراد ليس على طريقتنا وهدينا فإن طريقته صلى الله عليه وسلم نصر المسلم والقتال دونه لا ترويعه وإخافته وقتاله ، وهذا في غير المستحل فإن استحل القتال للمسلم بغير حق فإنه يكفر باستحلاله المحرم القطعي والحديث دليل على تحريم قتال المسلم والتشديد فيه ، وأما قتال البغاة من أهل الإسلام فإنه خارج من عموم هذا الحديث بدليل خاص([20]).

قال الإمام النووي رحمه الله:
قاعدة مذهب أهل السنة والفقهاء أن من حمل السلاح على المسلمين بغير حق ولا تأويل ولم يستحله فهو عاص ولا يكفر بذلك فإن استحله كفر فأما تأويل الحديث فقيل هو محمول على المستحل بغير تأويل فيكفر ويخرج من الملة وقيل معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا.

وكان سفيان بن عيينة رحمه الله: يكره قول من يفسره بليس على هدينا ويقول: بئس هذا القول يعنى بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع فى النفوس وأبلغ فى الزجر والله أعلم([21]).

وقال الإمام النووي رحمه الله:
قوله : (فليس منا) : معناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست منى وهكذا القول فى كل الأحاديث الواردة بنحو هذا([22]).

وعن الأحنف بن قيس ، قال : ذهبت لأنصر هذا الرجل ، فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل ، قال : ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ” ، فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال : ” إنه كان حريصا على قتل صاحبه “([23]).

قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله :
هذا إنما يكون كذلك إذا لم يكونا يقتتلان على تأويل إنما على عداوة بينهما و عصبية أو طلب دنيا أو رئاسة أو علو فأما من قاتل أهل البغي على الصفة التي يجب قتالهم بها أو دفع عن نفسه أو حريمه فإنه لا يدخل في هذه لأنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد به قتل صاحبه إلا إن كان حريصا على قتل صاحبه و من قاتل باغيا أو قاطع طريق من المسلمين فإنه لا يحرص على قتله إنما يدفعه عن نفسه فإن انتهى صاحبه كف عنه و لم يتبعه فإن الحديث لم يرد في أهل هذه الصفة فأما من خالف هذا النعت فهو الذي يدخل في هذا الحديث الذي ذكرنا و الله أعلم([24]).

وعن عبد الله بن عمر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ، ويقول : ” ما أطيبك وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده ، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ، ماله ، ودمه ، وأن نظن به إلا خيرا “([25]).

وعن يزيد الرقاشي قال : حدثنا أبو الحكم البجلي ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري ، وأبا هريرة يذكران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ” لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار “([26]).

وانظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤسس لنا قواعد حقوق الإنسان فى الإسلام فى هذا الحديث العظيم والخطبة النبوية الجامعة فى حجة الوداع فى الحديث الذى أخرجه البخاري فى صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال : ” يا أيها الناس أي يوم هذا ؟ ” ، قالوا : يوم حرام ، قال : ” فأي بلد هذا ؟ ” ، قالوا : بلد حرام ، قال : ” فأي شهر هذا ؟ ” ، قالوا : شهر حرام ” ، قال : ” فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ” ، فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه فقال : ” اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت – قال ابن عباس رضي الله عنهما : فو الذي نفسي بيده ، إنها لوصيته إلى أمته ، فليبلغ الشاهد الغائب ، لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض “([27]).

حرمة دماء غير المسلم فى الشريعة الإسلامية
من عظمة الشريعة الإسلامية أن حرمة الدماء ليست قاصرة على المسلمين فحسب بل تشمل كذلك غير المسلمين من المعاهدين والذميين والمسـتأمنين حرم الإسلام الاعتداء عليهم وذلك فى أحاديث كثيرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم منها:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما([28]).

وعن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” من قتل معاهدا في غير كنهه، حرم الله عليه الجنة “([29]).

وعن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما “([30]).

كان هذه بعض الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على حرمة الدماء وكيف أن هذا الدين الإسلامي الحنيف حافظ عليها من أن تسفك بغير حق نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم آمين .

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل

للتواصل مع الكاتب
01119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com


([1])سورة النساء : الآية : 93 .
([2])سورة الفرقان : الآيات : 68-70 .
([3])سورة المائدة : الآية: 32 .
([4])الزواجر عن اقتراف الكبائر : جـ2 صـ692 .
([5])الزواجر عن اقتراف الكبائر : جـ2 صـ692 وما بعدها .
([6])صحيح البخاري – كتاب الديات- باب قول الله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم – حديث:‏6483‏ .
([7]) سنن ابن ماجه – كتاب الديات- باب التغليظ في قتل مسلم ظلما – حديث:‏2615‏ وصححه الألباني فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 2668 .
([8])صحيح البخاري – كتاب الجمعة- أبواب الاستسقاء – باب ما قيل في الزلازل والآيات- حديث:‏1002‏
([9])صحيح البخاري – كتاب الوصايا- باب قول الله تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما – حديث:‏2634‏ .
([10]) صحيح البخاري – كتاب الديات- باب قول الله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم – حديث:‏6484‏ .
([11])السنن الصغرى – كتاب تحريم الدم- تعظيم الدم – حديث:‏3953‏ وصححه الألباني فى صحيح سنن النسائي حديث رقم 4008 .
([12]) صحيح مسلم – كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل – حديث:‏5286‏ .
([13]) سنن الترمذي الجامع الصحيح – الذبائح- أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب : ومن سورة النساء- حديث:‏3038‏ وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 3029 .
([14]) مسند أحمد بن حنبل – ومن مسند بني هاشم- مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب – حديث:‏1888‏
([15]) المعجم الكبير للطبراني – من اسمه عبد الله- وما أسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما – نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس- حديث:‏10552‏ وصححه الألباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 2447 .
([16])صحيح مسلم – كتاب البر والصلة والآداب- باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم – حديث:‏4848‏
([17])شرح النووي على مسلم : جـ16 صـ170 .
([18])صحيح البخاري – كتاب الديات- باب قول الله تعالى : ومن أحياها – حديث:‏6494‏ .
([19])إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام : 1 صـ501 وما بعدها طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت -1426- 2005م .
([20])سبل السلام : جـ3 صـ258 طبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة – الطبعة : الرابعة 1379هـ/ 1960م .
([21])شرح النووي على مسلم : جـ2صـ108 طبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت
الطبعة الثانية ، 1392 .
([22])شرح النووي على مسلم : جـ1 صـ109 .
([23])صحيح البخاري – كتاب الإيمان- باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فسماهم المؤمنين – حديث:‏31‏ .
([24])الكبائر : للإمام الذهبي صـ12 .
([25])سنن ابن ماجه – كتاب الفتن- باب حرمة دم المؤمن وماله – حديث:‏3930‏ وصححه الألباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 2441 .
([26])سنن الترمذي الجامع الصحيح – أبواب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبواب الديات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب الحكم في الدماء حديث:‏1355‏وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 1398 .
([27])صحيح البخاري – كتاب الحج باب الخطبة أيام منى – حديث:‏1662‏ .
([28])صحيح البخاري – كتاب الجزية- باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم – حديث:‏3011‏ .
([29]) سنن الدارمي – ومن كتاب السير- باب : في النهي عن قتل المعاهد – حديث:‏2461‏ وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 6456 .
([30]) السنن الكبرى للنسائي – كتاب القسامة- تعظيم قتل المعاهد – حديث:‏6743‏ وصححه الألباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 2452 .

الرابط الأصلي

كشف عورة المسلم وخذلانه

كشف عورة المسلم وخذلانه

كشف عورة المسلم : أما كشف عورة المسلم فإن جزاءه معجل ولا بد وهو هتك عورة من فعله وفضحها جزاء وفاقًا، ويكون كشف عورة المسلم وفضحه بطرق هي :

الأولى : وهي كشف عيوبه للناس وإظهاره للتَّشهير به، وتنفير الناس منه، وتنقيصه وتجريحه من غير موجب شرعي لذلك، وهذا ديدن كثير من الناس إلا من رحم الله، وقد ورد وعيد شديد في حق من فعل ذلك؛ قال الله جل وعلا: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” [النور: 19] .

الثانية : تتبع عورة المسلم، والاطلاع على عيوبه، سواء عن طريق التجسُّس عليه، أو متابعة أحواله بسؤال الناس واستغفال عماله أو أطفاله أو جيرانه أو أهله وأصحابه أو نحو ذلك من الأساليب الذميمة التي تفضي إلى كشف المخبوء من عورات الناس.

والمتتبع لعورات المسلمين وإن يكن ساترًا لما يعلمه من تلك العورات فهو عن فضح سريرته وهتك عورته غير بعيد؛ لأن جزاء تتبُّع العورات عند الله هو هتك عورة من فعل ذلك وفضحه؛ لا مجرد جزائه بتتبع عورته؛ وهذا ما يجعل الأمر في غاية الخطورة لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبَّع عورةَ أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله»(رواه الترمذي) .

لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله سترًا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا

سمع أعرابيٌّ رجلاً يقع في الناس، فقال : قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لما يطلب بقدر ما فيه منها .

الثالثة : تعيير المسلم بذنبه؛ فعن ابن عمر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (رواه الترمذي و هو في صحيح الجامع) .

يقول ابن القيم الجوزية : إن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته؛ لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وإن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذل والخضوع والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب – أنفع له، وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها والاعتداء بها، والمنة على الله وخلقه بها، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلاً هو فيك ولا تشعر(مدارج السالكين لابن القيم ) .

هذا مَنْ عَيَّرَ المسلمَ بذنب قد فعله، فكيف بمن عير المسلم بشيء ليس له فيه يد؛ كأن يكون سمينًا أو طويلاً أو جاهلاً أو قليل الفهم أو نحو ذلك .

الرابعة : الافتراء على المسلم وقذفه في عرضه، وهذا من أعظم الكبائر التي يعجل الله جل وعلا عقابها في الدنيا، وقد ورد التنصيص على ذلك في القرآن الكريم صريحًا؛ قال تعالى : “إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” [النور: 23] .

واللعن هو الطرد من رحمة الله – جل وعلا – في الدنيا؛ فيحرم المسلم بذلك من موارد الخير ومفاتيح الفضل، وفي الآخرة أيضًا؛ حيث لا عاصم من أمر الله إلا من رحم !

وقال تعالى : “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ“؛ فإذا كان مجرَّد حبِّ إشاعة الفاحشة في المؤمنين والرضا به موجب للعذاب الأليم في الدنيا، فكيف بإشاعة الفاحشة نفسها ! فلا شك أن عذاب صاحبها أنكى، وعاقبته في الدنيا أخزى وأردى؛ نسأل الله المعافاة في الدنيا والآخرة .

قال أبو عاصم النبيل : لا يذكر الناس بما يكرهون إلا سفلة لا دين لهم. وقال مالك رحمه الله : كفى بالمرء شرًا أن لا يكون صالحًا ويقع في الصالحين (صفة الصفوة) .

خذلان المسلم :

ففي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته» (رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع) .

وهنا أمور يجب التنبيه عليها :

الأولى : أن الحديث يشمل المسلم – أي مسلم – ولا يستلزم نصره أن يكون معروفًا لدى من نصره؛ وإنما يجب نصره ويحرم خذلانه بمجرد أن يكون مسلمًا ويصدق عليه اسم الإسلام، وسواء كان ذاك المسلم المنتقص من عرضه حاضرًا أم غائبًا .

الثانية : أن نصر المسلم وعدم خذلانه يكون بأمور هي :

عدم السماح بغيبته وذكره بما يكره .
عدم السماح بالسخرية منه وهمزه ولمزه وتعييره والتجسُّس عليه وكشف عورته وتتبُّعها !
عدم السماح بأخذ ماله وممتلكاته وهضم حقه .
عدم السماح بانتهاك عرضه وحرمته.
عدم السماح بإيذائه بأي شكل من الإيذاء سواء في حضوره أو غيبته .

فعن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» (رواه البخاري ومسلم ) .

الثالث : أن الله جل وعلا جعل الجزاء في هذه الخصال من جنس العمل وجعلها معجلة في الدنيا؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة» (رواه البيهقي وحسنه الألباني في الصحيحة) .

الرابط الأصلي

المجاهرة بالمعاصي

المجاهرة بالمعاصي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد :

فإن من أظلم الظلم أن يسيء المرء إلى من أحسن إليه وأن يعصيه في أوامره وأن يخالف تعاليمه ويزداد هذا القبح وذاك الظلم إذا أعلنه صاحبه وجاهر به ولم يبال بمن رآه أو سمعه حتى ولو كان هو الذي أحسن إليه وجاد عليه وتكرم وتفضل .. فما بالك أخي القارئ الكريم إذا كان المحسن المتفضل هو الله تعالى والعاصي المجاهر هو أنا وأنت … إنها بلية عظمى ورزية كبرى أن يتبجح المرء بمعصيته لله عز وجل ويعلنها صريحة مدوية بلسان حالة ومقالة ناسياً أو قل متناسياً حق الله وفضله عليه .

لذا فقد حذر الشرع المطهر من مجاهرة الله بالمعصية وبيّن الله تعالى أن ذلك من أسباب العقوبة والعذاب فمن النصوص الدالة على ذلك قوله تبارك وتعالى { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النور : 19] هذا الذم والوعيد فيمن يحب إشاعة الفواحش فما بالك بمن يشيعها ويعلنها.

وقوله تبارك وتعالى { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الروم : 41 ] قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله-

في تفسير الآية {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}: بأن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي وقال أبو العالية: (( من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة )) [ تفسير ابن كثير 3/ 576 ]

كما أخبر سبحانه بأنه لا يحب الفساد { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ } [ البقرة : 205] ولا شك أن المجاهرة بالمعاصي من أعظم الفساد .
وبين جل وعلا أنه لا يحب الجهر بالسوء { لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] قال البغوي – رحمة الله – في تفسير الآية :(( يعني لا يحب الله الجهر بالقبح من القول إلى من ظلم)) [ تفسير البغوي 1 / 304 ] .
وفي الحديث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابه)) [ رواه الترمذي 5/ 256].

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كل أمتي معافى إلا المجاهرين )) [ رواه البخاري ومسلم ] وهكذا سنة الله تعالى في الكون فما أعلن قوم التجرؤ على الله بالمعاصي والتبجح بها إلا وأهلكهم الله وقضى عليهم ودمرهم .. والمتأمل في سير الغابرين والأقوام السالفين يجد ذلك جلياً واضحاً فما الذي أهبط آدم من الجنة ؟ وما الذي أغرق قوم نوح ؟ وما الذي أهلك عادا بريح صرصر عاتية ؟ وما الذي أهلك ثمود بالصاعقة ؟ وما الذي قلب على قوم لوط ديارهم وأتبعها بالحجارة من السماء ؟ وما الذي أغرق فرعون وجنده ؟ وما الذي …؟ وما الذي ..؟ إنها المعاصي والمجاهرة بها .

فالله تعالى هو القوي والبشر هم الضعفاء والله هو العزيز وهم الأذلاء بين يديه وهو الكبير المتعالي فله الكبرياء المطلق والعظمة الكاملة عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : (( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار )) [ رواه مسلم ] .

ولعل من أسباب قبح هذه المعصية وزيادة شناعتها أن فيها نوعاً من الاستهانة وعدم المبالاة وكأن لسان حال هذه العاصي لله تعالى يقول : أعلم أنك ترى مكاني وتسمع كلامي وأنك علي رقيب ولعملي شهيد .. ولكن مع ذلك كله أعصيك وأعلن ذلك أمامك وأمام كل من يراني من خلقك !!…

ومن أسباب شناعتها وقبحها أن فيها دعوة للناس إلى الوقوع في المعاصي والانغماس في وحلها .. حيث إن هذا المبارز لله بالمعصية يدعو بلسان حاله كل من رآه أو سمع به .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( … ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً )) [ رواه مسلم ] .

ومن أسباب قبحها أن الذي يفعل المعصية جهراً قد يستمرئ هذا الفعل ويصبح عنده أمراً عادياً فربما أدى به ذلك إلى إباحته واستحلاله ولا شك أن استحلال المعاصي واستباحتها من أخطر الأمور على عقيدة المسلم وقد يؤدي به ذلك إلى الخروج من دين الإسلام لاسيما إذا كان الأمر معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه كالزنا واللواط وشرب الخمر وأكل الربا ونحوه ذلك من المحرمات أجارنا الله منها .

ولقد تفشى بين بعض المسلمين – هداهم الله – هذا الداء العضال وسري في جسد الأمة حتى لا يكاد يسلم منه بلد أو حي أو مجتمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ومن صور المجاهرة بالمعاصي التي ابتلي بها بعض المسلمين :
• التخلف عن الصلاة مع الجماعة – مع القدرة عليها – فتجد أحدهم يدخل منزله والصلاة تقام فلا يلقي لها بالاً ولا يكترث ولا يسهتم بها وكأن النداء فيها لغيره من الناس و الأدهى من ذلك والأمر أن يمارس البعض مهنته من بيع أو شراء أو نحو ذلك في أثناء إقامة المسلمين لهذه الشعيرة العظيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله . في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم )) [ رواه البخاري ومسلم ] .

• ومن صور المجاهرة الدعوة إلى المعاصي والكبائر والإعلان عنها وإذاعتها كما يحصل ذلك في الإعلان عن تجارة ربوية أو المساهمة في بنك يتعامل بالربا أو مبيعات محرمة أو الدعوة إلى مشاهدة عروض غنائية أو حفلات مشتملة على الأغاني والموسيقى والطبول والمعازف ونحو ذلك .

• ومنها ما يقوم به بعض الشباب – هداهم الله- من الرفع على آلات اللهو من موسيقى أو معازف في الطرقات أو عند الإشارات أو الشواطئ وفي المنتزهات ونحو ذلك.

• ومنها ما يشاهد بين أوساط بعض الشباب المسلم من التشبه بالغرب وتقليدهم في الكلام اللباس والمركب وقصات الشعور والحركات وما شابه ذلك حتى صار بعضهم يفتخر بذلك ويتعالى به وما علم المسكين أنه بذلك دخل جحر الضب من أضيق أبوابه .. فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لا تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن !!)) [ رواه البخاري ومسلم ] .

• ومنها قيام بعض الكتاب والصحفيين والممثلين ومن على شاكلتهم بكتابة مقالات أو تحقيقات – إن صح التعبير – تخالف شرع الله وتناوئ دينه كالكلام في ذات الرب تعالى وتقدس أو سب الدين أو الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم أو الدعوة إلى مخالفة الكتاب والسنة كالدعوة إلى خروج المرأة وتحررها وخلعها جلباب حيائها وسترها وكالحديث عن حجاب المرأة على وجه التندر والسخرية أو الاستهزاء باللحية أو بتقصير الثوب أو بالسواك أو التهكم بالصالحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو بالقضاة والمشايخ وطلبة العلم ونحو ذلك من صور وأشكال الاستهزاء الذي قد يصل بصاحبه إلى الكفر فلقد كفر الله تبارك وتعالى قوماً – جاهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وشهدوا بعض الغزوات مع المسلمين – حينما قالوا كلاما ( انظر كشف الشبهات ص 32) هو أهون بكثير مما يفعله أو يقوله بعض الفسقة الماردين عبر بعض وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية أو المقروءة .

• ومنها ما تقوم به بعض النساء – هداهن الله – من التبرج كالسفور عن الوجه كله أو وضع اللثام أو النقاب والبرقع بشكل ملفت للأنظار ، والخروج إلى الشوارع والطرقات والأسواق – لحاجة أحياناً ولغير حاجة أحايين – مع ما قد يصاحب ذلك من التعطر والتزين والتخنع والتميع ..

• ومنها أن يتحدث المرء أمام الملأ بما ستر الله عليه من معاص ٍ وآثام فيمسي وقد ستر الله عليه ثم يصبح مجاهراً مفتخراً بمعصيته كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( .. وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه )) [رواه البخاري ومسلم ] .

• ولعل من أبرز ما يشاهد الآن من أنواع المجاهرة بالمعاصي ما يقوم به بعض المسلمين – هداهم الله – من وضع أجهزة استقبال القنوات الفضائية في سطوح المنازل وعلى الأسوار وفي الاستراحات والفنادق ونحوها حيث يستقبل فيها ما تبثه تلك القنوات برمته خيره وشره – إن كان فيه خير – يفعل كل ذلك بعد صدور الفتاوى الموثقة بأدلة الوحيين من قبل علماء الإسلام الأعلام وكأن لسان حال واضع هذه الأجهزة وهو يضعها في أعلى مكان مجاهراً بذلك غير مستحي ولا متورع – كأن لسان حاله – يقول : ها قد فعلت هذه المعصية فليرض من يرضى وليسخط من يسخط .

وإلى كل أولئك نقول توبوا إلى الله واستغفروه وأنيبوا إليه واعلموا أن ربكم رؤوف رحيم يقبل التوبة عن عبادة ويغفر السيئات ويتجاوز عن الخطيئات { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور : 31] .

ثم إنه من قارف الذنب ووقع في المعصية ثم استتر بستر الله ولم يتبجح ويجاهر بها كان ذلك أدعى إلى التوبة وأرجى للإقلاع عن المعصية والندم على فعلها وعدم العودة إليها ومن ذلك ما جاء عن زيد بن أسلم : أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله ما أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله .. )) [ رواه مالك] .

وفي الصحيحين عن محرز المازني – رحمه الله – قال : بينما أنا أمشي مع ابن عمر – رضي الله عنهما – آخذ بيده إذا عرض رجل فقال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى قال ( ابن عمر ) : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأي في نفسه أنه هلك قال : (( سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطي كتاب حسناته .. )) [ رواه البخاري ومسلم ] .

أسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يتجاوز عنا ويغفر لنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الرابط الأصلي